الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كثرة التفكير في الغيبيات يصيبني بالجنون

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا مغترب، أعاني من اكتئاب رهيب خلال الفترة الحالية، بسبب فسخ خطوبتي، كما لم أوفق في عمل بسبب تعنت كفيلي، وعدم سماحه لي بترك العمل، مما أصابني بحالة من الاكتئاب الرهيب، وتطورت الحالة إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، فبدأت أفكر في الغيبيات، ونظام الكون، وقيمة الحياة؛ مما أكاد أصاب معه بالجنون! ولا أعلم هل هي وساوس شيطان، أم ماذا؟ علماً بأني أفكر في الغيبيات منذ فترة طويلة، لكن هذه الأيام بصورة مستمرة، وليست متقطعة كما فيما مضى.

أرجو نصيحتي ماذا أفعل؟ وهل من الممكن أن أكون أصبت بمس من الجن أو ما شابه ذلك؟ علماً بأني أصلي، ولكني غير منتظم، فأرجو نصحي، خصوصاً أن مواضيع الغيبيات ونظام الكون، والتفكير في هذه الأمور، بدأ يصيبني بالجنون، كما أنني بدأت أخاف من الموت بطريقة رهيبة، وفي نفس الوقت غير راغب في الحياة! انصحوني أرجوكم.

هل أنا مريض نفسي وأحتاج العلاج، أم ماذا؟ أرجو ألا تبخلوا علي بالنصيحة، وجزكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إنسان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

قد مررت بظروف فسخ الخطوبة، ومشكلتك الأخرى مع صاحب العمل، وغير ذلك مما ذكرته، كل هذا جعلك تحس بشيء من الكدر والحزن إذا جاز التعبير، وهذه أدخلتك في حالة اكتئابية ظرفية عرضية.

أما انشغالك بالغيبيات منذ فترة، فهذه أفكار وسواسية، والأفكار الوسواسية حول هذه المواضيع كثيرة جدّاً، ولا شك أنها تسبب قلقاً كبيراً للإنسان، والوساوس نفسها من الناحية التشخيصية تأتي تحت أمراض القلق النفسي، وأنت بعيد تماماً عن الجنون، ولا علاقة للجنون أبداً بما ذكرته، كل الذي بك هو قلق اكتئابي ظرفي، والقلق الذي لديك تمثل وتجسد في وساوس قهرية -كما ذكرت لك-، والإنسان مهما حاصرته الوساوس، يجب أن يكون قوي الإيمان، قوي اليقين، ويواجه مثل هذه الابتلاءات، والأمور ستتبدل إلى ما هو إيجابي -بإذن الله-.

بالنسبة للخطبة وفسخها، هذا أمر يحدث، والإنسان لا يعرف الخير أين، وربما يكون هذا خيراً كتبه الله لك ولهذه الفتاة، قال تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [البقرة:216] فعليك أن تسأل الله تعالى لها الخير، وأن تسأل الله تعالى لك أيضاً أن يعوضك بمن هي خير منها.

بالنسبة لموضوع رب العمل، نسأل الله أن يبارك لك فيما يأتيك من رزق، وهذا أمر مهم جدّاً، وعليك أن تسأل الله تعالى أن يهدي هذا الكفيل، ويجعله أكثر مرونة معك، وأنت كن طيباً في التعامل معه، واحكِ له ظروفك، وأعتقد أنه سيلين في يوم من الأيام، والمشاكل التي تواجهها هي مشاكل معتبرة، نحن لا نقلل من شأنها، ولكنها قابلة للمعالجة وقابلة للتغيير، فقط لا تيأس ولا تستعجل، وعليك بالحكمة والفطنة والصبر.

بالنسبة لسؤالك الآخر: وهو موضوع الغيبيات، فهذه تعالج بالتجاهل، مثل هذه الأفكار عليك بتجاهلها، عليك بتحقيرها، هي أفكار وسواسية، وليست أكثر من ذلك، وكل فكرة وسواسية يمكن أن تقابلها بفكرة مضادة لها، وهنالك تمارين سلوكية بسيطة ننصح بها، فهنالك ما يعرف بتمارين إيقاف الأفكار، مثلاً استرسل في هذه الأفكار لفترة، وبعد ذلك قل لنفسك: (قف قف قف) قلها بحدة وشدة كأنك تخاطب هذه الأفكار.

التمرين الثاني: استرسل في هذه الأفكار، وفي نفس الوقت قم بالضرب بيدك على جسم صلب -كالطاولة مثلاً- حتى تحس بالألم، الهدف هو أن تربط ما بين الألم وما بين الفكر الوسواسي، وقد وجد علماء السلوك أن هذا الربط بين الاثنين يؤدي إلى إضعاف الفكر الوسواسي، هذا التمرين يكرر عشر مرات متتالية، ولا بد أن يكون الألم شديداً، وتكراره عشر مرات متتالية يومياً سيضعف أيضاً الفكر الوسواسي.

أنت في حاجة لتناول بعض الأدوية، فهنالك دواء يعرف تجارياً باسم (زولفت Zoloft) أو (لسترال Lustral)، ويسمى علمياً باسم (سيرترالين Sertraline)، وهو متوفر في الصيدليات، يمكن أن تبدأ في تناوله بجرعة خمسين مليجراماً (حبة واحدة) ليلاً، استمر على هذه الجرعة لمدة شهر، ثم بعد ذلك اجعل جرعة الدواء حبتين ليلاً، استمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم خفضها إلى حبة واحدة ليلاً لمدة ستة أشهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

هذا الدواء من الأدوية الفعالة والممتازة، و-إن شاء الله- ستجني منه خيراً كثيراً، والحل الآخر -والذي أراه أفضل-، هو أن تذهب وتقابل أحد الأطباء في العيادة النفسية، هذا -إن شاء الله- سيتيح لك فرصة أكبر للحوار والنقاش.

نسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً