الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنشكرك على ثقتك في إسلام ويب، وعلى تواصلك السابق وعلى هذا التواصل، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.
أتفق مع الطبيب الذي قال لك إن الحالة في أصلها وجوهرها هي قلق نفسي، والقلق النفسي له جزئيات وتشعبات، والوسواس القهري هو أحد هذه التشعبات، كما أن ما يعرف بالاكتئاب العصابي هو أيضًا إفراز طبيعي جدًّا لحالة القلق والوساوس، فكل ما ذكرته من تفصيل جيد ومفيد يدل بالفعل أنك تعاني من قلق الوساوس، وقلق الوساوس يعالج من خلال التحقير, وعدم مناقشته, والإغلاق عليه, وصرف الانتباه عنه، وذلك من خلال إدخال أفكار جديدة, أو أفعال جديدة.
بالطبع أنا تأسفت أنك لم تعمل حتى الآن، لكن لا أريدك أبدًا أن تيأس، ابحث واسع وادعُ الله تعالى أن يوفقك، فالعمل حقيقة مهم وضروري، والظروف التي تمر بها سوريا مقدّرة جدًّا، نسأل الله أن يحفظ أرواح المسلمين وأعراضهم، وأن يتقبل شهداءكم.
بالنسبة للأدوية: لا تنزعج أبدًا، فالسيرترالين من الأدوية الطيبة والفاعلة والجيدة، وهو مناسب جدًّا، والجرعة التي تفيدك يجب ألا تقل عن حبتين في اليوم – أي مائة مليجراما – علمًا بأن هذا الدواء يمكن تناوله حتى أربع حبات في اليوم.
هل سوف تستمر عليه مدى الحياة؟ لا أعتقد ذلك، فالدنيا تتغير، والإنسان يتحسن، ويجب ألا تنزعج لمدة العلاج، فهي قطعًا ليست مدى الحياة، لكن حتى وإن طالت قليلا أرجو ألا يكون ذلك سببًا أبدًا في تفكير سلبي، فهذه الأدوية سليمة، فاعلة.
حالتك ليست خطيرة، حالتك من الحالات المعروفة، وأنا أطمئنك كثيرًا حيالها.
بالنسبة لأسئلتك حول ما هو (اللاوعي) وكيف يعمل؟ .. اللاوعي أمر نسبي ليس محسوسًا، ولا يمكن قياسه ماديًا، وهو أحد المرئيات التي تحدثت عنها المدرسة التحليلية كثيرًا، وبعض الناس ربطوه بما فوق الحواس. إذن الإنسان لديه وعي، والوعي هو ما نستشعره ونتصرف من خلاله، وبعد ذلك يأتي ما تحت اللاوعي، أو ما يمكن أن نسميه ما بين الوعي واللاوعي، وهي منطقة وسطية قد تُنْزَلْ إليها بعض المعلومات في بعض الأحيان، وذلك من خلال النكران، أو ربما تظهر بعض المعلومات المخزنة في اللاوعي, وعند ذلك تتوقف عند هذا الحد، أو تظهر على مستوى الوعي.
إذن هو شيء نسبي ليس بحسّي، وأعتقد أن فكرته فكرة جميلة، وكثير من العلماء يعتبرونه نوعا من المتنفس أو نوعا من المِحْبَسْ الذي يحفظ احتقانات النفس، وهو يتقبل كل شيء، الصالح والطالح، وبعد ذلك يتخير الإنسان بصورة شعورية ولا شعورية كيفية الاستفادة منه.
إذن من خلال النكران والتبرير السالب يخزن الإنسان كل شيء في اللاوعي، ومن خلال المواجهة والاستبصار تخرج المعلومات من اللاوعي.
بالنسبة لما ذكره لك الطبيب أنك وصلت مرحلة الشفاء: هذا كلام مشجع ومحفز، وعليك الآن أن تنتقل لمرحلة الوقاية، والوقاية تتطلب أن يكون لك مزاج وإرادة تحسن، وأن تطور من مهاراتك، وأن تخرج نفسك من النمط الحياتي الرتيب الذي تحدثت عنه، وإن شاء الله تعالى ترزق العمل ويكون فيه مخرج وسلوى كبيرة جدًّا لك, هذه هي المعينات الحياتية الأساسية التي من خلالها يطور الإنسان مهاراته.
بالنسبة لموضوع أنك إنسان حساس وعاطفي وعجول: هذه أيضًا مرتبطة بالقلق، وهذه ميزات لا أعتبرها خطيرة، وإن شاء الله تعالى باختفاء القلق والتوتر سوف تختفي كل هذه الأعراض، وعليك بتمارين الاسترخاء (
2136015)، وممارسة الرياضة، فهي ذات فاعلية عالية جدًّا للتخلص من مثل هذه السمات, كذلك كن معبرًا عن نفسك ولا تحتقن، لأن الكتمان يؤدي إلى الاحتقان.
كيف تجعل عقلك يتقبل الحقائق مثل الموت والحياة والقضاء والقدر؟ هذا يتم من خلال مخاطبة العقل أن هذه أمور لا مفر منها، هذه مسلمات في ديننا وعقيدتنا، ونحن نؤمن بكل ما أتى به الإسلام، وهذه أحداث وظواهر وحقائق نشاهدها أمامنا، فليس هنالك مجال للعقل كي يحاور أو ينكر أو يبرر، المواجهة والارتباط بالواقع هي الوسيلة.
أكرر لك أن حالتك ليست خطيرة، ويجب ألا تكون متشائمًا، كن إيجابيًا، واستمر على علاجك، وإن شاء الله تعالى تكتمل صحتك وعافيتك، وأنت الحمد لله تعالى في ريعان الشباب، ولك طاقات نفسية وجسدية لا بد أن تستفيد منها بصورة أكثر إيجابية.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك العافية والشفاء، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب وثقتك في موقعك هذا.