الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الوجه الثالث :

                  أن يقال : إن كانت الإمامة أهم مطالب الدين ، وأشرف مسائل المسلمين ، فأبعد الناس عن هذا الأهم الأشرف هم الرافضة ، فإنهم [ قد ] [1] قالوا في الإمامة أسخف قول ، وأفسده في العقل والدين ، كما سنبينه إن شاء الله تعالى [ إذا تكلمنا عن حججهم ] [2] ، ويكفيك أن مطلوبهم بالإمامة أن يكون لهم رئيس معصوم يكون لطفا في مصالح دينهم ، ودنياهم ، وليس في الطوائف أبعد عن [3] مصلحة اللطف ، والإمامة منهم ، فإنهم يحتالون على مجهول ، ومعدوم لا يرى له عين ، ولا أثر ، ولا يسمع له حس ، ولا خبر ، فلم يحصل لهم من الأمر المقصود بإمامته شيء .

                  وأي من فرض إماما نافعا في بعض مصالح الدين والدنيا كان خيرا ممن [ ص: 101 ] لا ينتفع به في شيء من مصالح الإمامة ، ولهذا تجدهم لما فاتهم مصلحة الإمامة يدخلون في طاعة كافر ، أو ظالم لينالوا به بعض مقاصدهم ، فبينما هم يدعون الناس إلى طاعة إمام معصوم أصبحوا يرجعون إلى طاعة ظلوم كفور ، فهل يكون أبعد عن مقصود الإمامة ، وعن الخير والكرامة ممن سلك منهاج الندامة ؟ .

                  وفي الجملة ، فالله تعالى قد علق بولاة الأمور مصالح في الدين والدنيا ، سواء كانت الإمامة أهم الأمور ، أو لم تكن ، والرافضة أبعد الناس عن حصول هذه المصلحة لهم ، فقد فاتهم على قولهم الخير المطلوب من أهم مطالب الدين ، وأشرف مسائل المسلمين .

                  ولقد طلب [ مني ] [4] أكابر شيوخهم الفضلاء أن يخلو بي ، وأتكلم معه في ذلك ، فخلوت به ، وقررت له ما يقولونه في هذا الباب كقولهم إن الله أمر العباد ، ونهاهم ( 2 لينالوا به بعض مقاصدهم 2 ) [5] ، فيجب أن يفعل بهم اللطف الذي يكونون عنده أقرب إلى فعل الواجب ، وترك القبيح ؛ لأن من دعا شخصا ليأكل طعامه ، فإذا كان مراده الأكل فعل ما يعين على ذلك من الأسباب كتلقيه بالبشر ، وإجلاسه في مجلس يناسبه ، وأمثال ذلك ، وإن لم يكن مراده [6] أن يأكل عبس في . وجهه ، وأغلق الباب ، ونحو ذلك .

                  وهذا أخذوه من المعتزلة ليس هو من أصول شيوخهم القدماء .

                  ثم قالوا : والإمام لطف ؛ لأن الناس إذا كان لهم إمام يأمرهم بالواجب ، [ ص: 102 ] وينهاهم عن القبيح كانوا أقرب إلى فعل المأمور ، وترك المحظور ، فيجب أن يكون لهم إمام ، ولا بد أن يكون معصوما ؛ لأنه إذا لم يكن معصوما لم يحصل به المقصود ، ولم تدع العصمة لأحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا لعلي ، فتعين أن يكون هو إياه للإجماع على انتفاء ما سواه ، وبسطت له العبارة في هذه المعاني .

                  ثم قالوا : وعلي نص على الحسن ، والحسن على الحسين [7] إلى أن انتهت النوبة إلى المنتظر محمد بن الحسن صاحب السرداب الغائب .

                  فاعترف بأن هذا تقرير مذهبهم على غاية الكمال .

                  قلت له : فأنا وأنت طالبان للعلم ، والحق ، والهدى ، وهم يقولون : من لم يؤمن بالمنتظر فهو كافر ، فهذا المنتظر هل رأيته ؟ . أو رأيت من رآه ؟ أو سمعت له بخبر ؟ [8] أو تعرف شيئا من كلامه الذي قاله هو ؟ أو ما أمر به ، أو ما نهى عنه مأخوذا عنه ، كما يؤخذ عن [9] الأئمة ؟ .

                  قال : لا .

                  قلت : فأي فائدة في إيماننا هذا ؟ وأي لطف يحصل لنا بهذا ، ثم كيف يجوز أن يكلفنا الله بطاعة شخص ، ونحن لا نعلم ما يأمر به ، ولا ما ينهانا عنه ، ولا طريق لنا إلى معرفة ذلك بوجه من الوجوه ؟ وهم من أشد الناس [ ص: 103 ] إنكارا لتكليف ما لا يطاق ، فهل يكون في تكليف ما لا يطاق أبلغ من هذا ؟ ! .

                  فقال : إثبات هذا مبني على تلك المقدمات .

                  قلت : لكن المقصود لنا من تلك المقدمات هو ما يتعلق بنا نحن ، وإلا فما علينا ما مضى إذا لم يتعلق بنا منه أمر ولا نهي ، وإذا كان كلامنا في تلك المقدمات لا يحصل لنا فائدة ولا لطفا ، ولا يفيدنا إلا تكليف [10] ما لا يقدر عليه علم أن الإيمان بهذا المنتظر من باب الجهل ، والضلال لا من باب المصلحة واللطف [11] .

                  والذي عنه الإمامية من النقل عن الأئمة الموتى : إن كان حقا يحصل به سعادتهم ، فلا حاجة [12] بهم إلى المنتظر ، وإن كان [13] باطلا ، فهم أيضا لم ينتفعوا بالمنتظر في رد هذا الباطل ، فلم ينتفعوا بالمنتظر [ لا . ] [14] في إثبات حق ، ولا في نفي باطل ، ولا أمر بمعروف ، ولا نهي عن منكر ، ولم يحصل لواحد منهم به شيء من المصلحة ، واللطف المطلوب [15] من الإمامة .

                  والجهال الذين يعلقون أمورهم بالمجهولات كرجال الغيب ، والقطب ، [ ص: 104 ] [ والغوث ] [16] ، والخضر ، ونحو [ ذلك مع جهلهم ، وضلالهم ] ، وكونهم [17] يثبتون ما لم يحصل لهم به مصلحة ، ولا لطف ، ولا منفعة لا في الدين ، ولا في الدنيا أقل ضلالا من الرافضة .

                  فإن الخضر كان موجودا ، وقد ذكره الله في القرآن ، وفي قصته عبرة ، وفوائد ، وقد يرى أحدهم شخصا صالحا يظنه الخضر ، فينتفع به ، وبرؤيته ، وموعظته [18] ، وإن كان غالطا في اعتقاده أنه الخضر ، [ فقد يرى أحدهم بعض الجن ، فيظن أنه الخضر ، ولا يخاطبه الجني إلا بما يرى أنه يقبله منه ليربطه على ذلك ، فيكون الرجل أتى من نفسه لا من ذلك المخاطب له ، ومنهم من يقول : لكل زمان خضر ، ومنهم من يقول : لكل ولي خضر ، وللكفار كاليهود مواضع يقولون : إنهم يرون الخضر فيها ، وقد يرى الخضر على صور مختلفة ، وعلى صورة هائلة ، وأمثال ذلك ، وذلك . لأن هذا الذي يقول إنه الخضر هو جني ، بل هو شيطان يظهر لمن يرى أنه يضله ، وفي ذلك حكايات كثيرة يضيق هذا الموضع عن ذكرها ] [19] .

                  وعلى كل تقدير ، فأصناف الشيعة أكثر ضلالا من هؤلاء ، فإن منتظرهم [20] ليس عنده نقل ثابت عنه ، ولا يعتقدون فيمن يرونه أنه المنتظر ، ولما دخل السرداب كان عندهم صغيرا لم يبلغ سن التمييز ، [ ص: 105 ] وهم يقبلون من الأكاذيب [21] أضعاف ما يقبله هؤلاء ، ( 2 ويعرضون عن الاقتداء بالكتاب والسنة أكثر من إعراض هؤلاء 2 ) [22] ، ويقدحون في خيار المسلمين قدحا يعاديهم عليه هؤلاء ، فهم أضل عن مصالح الإمامة من جميع طوائف الأمة ، فقد فاتهم على قولهم أهم الدين وأشرفه .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية