قال الأشعري [1] : " الروافض في القرآن ، وهم فرقتان : فالفرقة الأولى منهم واختلفت وأصحابه : يزعمون أن القرآن لا خالق ولا مخلوق هشام بن الحكم ، وزاد بعض من يخبر عن [2] المقالات في الحكاية عن فزعم هشام [3] أنه كان يقول : لا خالق ولا مخلوق ، ولا يقال [4] أيضا : غير مخلوق ; لأنه صفة والصفة لا توصف " .
قال : " وحكى زرقان عن هشام بن الحكم [5] أنه قال : القرآن على ضربين : إن كنت تريد المسموع فقد خلق الله الصوت المقطع وهو [6] رسم القرآن ، فأما القرآن [7] فهو فعل الله [8] مثل العلم والحركة ، لا هو هو ، ولا غيره [9] .
والفرقة الثانية منهم : يزعمون أنه مخلوق محدث لم يكن ثم كان ، كما تزعم المعتزلة والخوارج " .
قال : " وهؤلاء قوم من المتأخرين منهم [10] " .
[ ص: 249 ] قلت [11] : ومعلوم أن قول [12] الصادق ، وهؤلاء ( 3 الذين قالوا من السلف 3 ) جعفر [ بن محمد ] [13] : ليس بمخلوق ، لم يريدوا أنه ليس بمكذوب ، بل أرادوا أنه لم يخلقه [14] ، كما قالت المعتزلة ، وهذا قول متأخري الرافضة .
[15] ( * ) فإن [ طائفة من متأخري الإمامية ] كأبي القاسم الموسوي [16] المعروف بالمرتضى وغيره لما وافقوا المعتزلة على أنه محدث منفصل عن الله ، وأنه لم يكن يمكنه أن يتكلم ثم صار متكلما بعد أن لم يكن متكلما ، وليس له كلام يقوم به ، بل كلامه من جملة مصنوعاته المنفصلة عنه ، ثم سمعوا عن السلف من أهل البيت مثل وغيره أنهم قالوا : إنه غير مخلوق جعفر بن محمد [17] . قالوا : لا نقول إنه مخلوق متابعة لهؤلاء ، بل نقول : إنه محدث مجعول [18] موافقة [19] لما ظنوه من لفظ القرآن في قوله : ( إنا جعلناه قرآنا عربيا ) [ سورة الزخرف : 3 ] ، وقوله : ( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ) [ سورة الأنبياء : 2 ] .
وكثير [20] من الناس - غير الشيعة [21] - يقولون : غير مخلوق ، [ ص: 250 ] ويقصدون [22] في هذا المعنى أنه غير مكذوب مفترى ، فإنه يقال : خلق [23] هذا الحديث واختلقه [ إذا افتراه ] [24] . قال تعالى عن إبراهيم : ( إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا ) [ سورة العنكبوت : 17 ] ، وقال عن قوم هود : قالوا : ( إن هذا إلا خلق الأولين وما نحن بمعذبين ) [ سورة الشعراء : 137 - 138 ] .
فيقال لهؤلاء : كل من تدبر الآثار المنقولة عن السلف ، ، فإن من يقر بأن وما وقع من النزاع بين الأمة في أن القرآن مخلوق أو غير مخلوق ، علم أنه لم يكن نزاعهم في أنه مفترى أو غير مفترى محمدا رسول الله لا يقول : إن القرآن مفترى ، بل إنما يقول : إنه مفترى من قال [25] : إن محمدا كاذب افترى القرآن ، كما قال تعالى : ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله ) [ سورة يونس : 38 ] ، وقال : ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ) [ سورة هود : 13 ] ، وقال تعالى : ( وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا ) [ سورة الفرقان : 4 ] ، وقال : ( أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون ) [ سورة هود : 35 ] .
محمدا رسول الله وأنه مبلغ للقرآن عن الله [ تعالى ] [26] لم يفتره [ ص: 251 ] هو ، ولكن والذين تنازعوا في القرآن : هل هو مخلوق أو غير مخلوق ، كانوا مقرين بأن الجهمية والمعتزلة لما كان أصلهم أن الرب لا تقوم به الصفات والأفعال والكلام ، لزمهم أن يقولوا : كلامه بائن عنه مخلوق [ من مخلوقاته ] [27] . وكان أول من ظهر عنه هذا [28] الجعد بن درهم [29] ثم ] الجهم [ ابن صفوان [30] ، ثم صار هذا في المعتزلة .