الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل

                  قال الرافضي [1] : البرهان التاسع عشر : ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا )   [ سورة الزخرف : 45 ] قال ابن عبد البر ، وأخرجه أبو نعيم أيضا [2] : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به جمع الله بينه وبين الأنبياء [3] ثم قال : سلهم يا محمد علام بعثتم ؟ قالوا : بعثنا [4] على شهادة أن لا إله إلا الله وعلى الإقرار بنبوتك والولاية لعلي بن أبي طالب . وهذا صريح بثبوت الإمامة لعلي [5] " .

                  والجواب من وجوه : أحدها : المطالبة في هذا وأمثاله بالصحة . وقولنا في هذا الكذب القبيح وأمثاله : المطالبة بالصحة ، ليس بشك منا في أن هذا وأمثاله من أسمج الكذب وأقبحه ، لكن على طريق التنزل في المناظرة ، وأن هذا لو [ لم ] يعلم [6] أنه كذب لم يجز أن يحتج به حتى يثبت صدقه ; فإن [ ص: 168 ] الاستدلال بما لا تعلم صحته لا يجوز بالاتفاق ، فإنه قول بلا علم ، وهو حرام بالكتاب والسنة والإجماع .

                  الوجه الثاني : أن مثل هذا مما اتفق أهل العلم على [7] أنه كذب موضوع [8] .

                  الوجه الثالث : أن هذا مما يعلم من له علم ودين أنه [9] من الكذب الباطل الذي لا يصدق به من له عقل ودين ، وإنما يختلق مثل هذا أهل الوقاحة والجراءة في الكذب ، فإن الرسل - صلوات الله عليهم - كيف يسألون عما لا يدخل في أصل الإيمان ؟

                  وقد أجمع المسلمون على أن الرجل لو آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأطاعه ، ومات في حياته قبل أن يعلم أن الله خلق أبا بكر وعمر وعثمان وعليا لم يضره ذلك شيئا ، ولم يمنعه ذلك من دخول الجنة . فإذا كان هذا في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فكيف يقال : إن الأنبياء يجب عليهم الإيمان بواحد من الصحابة ؟ !

                  والله تعالى قد أخذ الميثاق عليهم لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه . هكذا قال ابن عباس وغيره ، كما [10] قال تعالى : ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول ) [ سورة آل عمران : 81 ] إلى قوله تعالى : ( أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ) [ سورة آل عمران : 81 ] [11] .

                  [ ص: 169 ] فأما الإيمان بتفصيل ما بعث به [ محمد ] [12] فلم يؤخذ عليهم ، فكيف يؤخذ عليهم موالاة واحد من الصحابة دون غيره من المؤمنين ؟

                  الرابع : أن لفظ الآية : ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) [ سورة الزخرف : 45 ] . ليس في هذا سؤال لهم بماذا بعثوا ؟ [13] .

                  الخامس : أن قول القائل : إنهم بعثوا بهذه الثلاثة . إن أراد أنهم لم يبعثوا إلا بها ، فهذا كذب على الرسل . وإن أراد أنها أصول ما بعثوا به ، فهذا أيضا كذب فإن أصول الدين التي بعثوا بها : من الإيمان بالله واليوم الآخر ، وأصول [14] الشرائع ، [ أهم ] [15] عندهم من ذكر الإيمان بواحد من أصحاب نبي غيرهم ، بل ومن الإقرار بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فإن الإقرار بمحمد يجب عليهم مجملا ، كما يجب علينا نحن الإقرار بنبواتهم مجملا ، لكن من أدركه منهم وجب عليه الإيمان بشرعه على التفصيل كما يجب علينا . وأما الإيمان بشرائع الأنبياء على التفصيل ، فهو [ ص: 170 ] واجب على أممهم ، [ فكيف يتركون ذكر ما هو واجب على أممهم ] [16] ويذكرون ما ليس هو الأوجب ؟

                  الوجه السادس : أن ليلة الإسراء كانت بمكة قبل الهجرة بمدة . قيل : إنها سنة ونصف . وقيل : إنها خمس سنين . وقيل غير ذلك . وكان علي صغيرا ليلة المعراج ، لم يحصل له هجرة ولا جهاد ولا أمر يوجب أن يذكره به الأنبياء . والأنبياء لم [ يكن ] [17] يذكر علي في كتبهم أصلا ، وهذه كتب الأنبياء [ الموجودة ] [18] التي أخرج الناس ما فيها من ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ليس في شيء منها ذكر علي ، بل ذكروا أن في التابوت الذي كان فيه عند المقوقس صور الأنبياء - صورة أبي بكر وعمر مع صورة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه بها يقيم الله أمره . وهؤلاء الذين أسلموا من أهل الكتاب لم يذكر أحد منهم أنه ذكر علي عندهم ، فكيف يجوز أن يقال : إن كلا من الأنبياء بعثوا بالإقرار بولاية [ علي ]  [19] ولم يذكروا ذلك لأممهم ولا نقله أحد منهم ؟

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية