فصل
قال الرافضي [1] : البرهان التاسع عشر : واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ) [ سورة الزخرف : 45 ] قال ( ، وأخرجه ابن عبد البر أبو نعيم أيضا [2] : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به جمع الله بينه وبين الأنبياء [3] ثم قال : سلهم يا محمد علام بعثتم ؟ قالوا : بعثنا [4] على شهادة أن لا إله إلا الله وعلى الإقرار بنبوتك والولاية لعلي بن أبي طالب . وهذا صريح بثبوت الإمامة لعلي [5] " .
والجواب من وجوه : أحدها : المطالبة في هذا وأمثاله بالصحة . وقولنا في هذا الكذب القبيح وأمثاله : المطالبة بالصحة ، ليس بشك منا في أن هذا وأمثاله من أسمج الكذب وأقبحه ، لكن على طريق التنزل في المناظرة ، وأن هذا لو [ لم ] يعلم [6] أنه كذب لم يجز أن يحتج به حتى يثبت صدقه ; فإن [ ص: 168 ] الاستدلال بما لا تعلم صحته لا يجوز بالاتفاق ، فإنه قول بلا علم ، وهو حرام بالكتاب والسنة والإجماع .
الوجه الثاني : أن مثل هذا مما اتفق أهل العلم على [7] أنه كذب موضوع [8] .
الوجه الثالث : أن هذا مما يعلم من له علم ودين أنه [9] من الكذب الباطل الذي لا يصدق به من له عقل ودين ، وإنما يختلق مثل هذا أهل الوقاحة والجراءة في الكذب ، فإن الرسل - صلوات الله عليهم - كيف يسألون عما لا يدخل في أصل الإيمان ؟
وقد أجمع المسلمون على أن الرجل لو آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأطاعه ، ومات في حياته قبل أن يعلم أن الله خلق أبا بكر وعمر وعثمان لم يضره ذلك شيئا ، ولم يمنعه ذلك من دخول الجنة . فإذا كان هذا في أمة وعليا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فكيف يقال : إن الأنبياء يجب عليهم الإيمان بواحد من الصحابة ؟ !
والله تعالى قد أخذ الميثاق عليهم لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه . هكذا قال وغيره ، كما ابن عباس [10] قال تعالى : ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول ) [ سورة آل عمران : 81 ] إلى قوله تعالى : ( أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ) [ سورة آل عمران : 81 ] [11] .
[ ص: 169 ] فأما الإيمان بتفصيل ما بعث به [ محمد ] [12] فلم يؤخذ عليهم ، فكيف يؤخذ عليهم موالاة واحد من الصحابة دون غيره من المؤمنين ؟
الرابع : أن لفظ الآية : ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) [ سورة الزخرف : 45 ] . ليس في هذا سؤال لهم بماذا بعثوا ؟ [13] .
الخامس : أن قول القائل : إنهم بعثوا بهذه الثلاثة . إن أراد أنهم لم يبعثوا إلا بها ، فهذا كذب على الرسل . وإن أراد أنها أصول ما بعثوا به ، فهذا أيضا كذب فإن أصول الدين التي بعثوا بها : من الإيمان بالله واليوم الآخر ، وأصول [14] الشرائع ، [ أهم ] [15] عندهم من ذكر الإيمان بواحد من أصحاب نبي غيرهم ، بل ومن الإقرار بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فإن الإقرار بمحمد يجب عليهم مجملا ، كما يجب علينا نحن الإقرار بنبواتهم مجملا ، لكن من أدركه منهم وجب عليه الإيمان بشرعه على التفصيل كما يجب علينا . وأما الإيمان بشرائع الأنبياء على التفصيل ، فهو [ ص: 170 ] واجب على أممهم ، [ فكيف يتركون ذكر ما هو واجب على أممهم ] [16] ويذكرون ما ليس هو الأوجب ؟
الوجه السادس : أن ليلة الإسراء كانت بمكة قبل الهجرة بمدة . قيل : إنها سنة ونصف . وقيل : إنها خمس سنين . وقيل غير ذلك . وكان صغيرا ليلة المعراج ، لم يحصل له هجرة ولا جهاد ولا أمر يوجب أن يذكره به الأنبياء . والأنبياء لم [ يكن ] علي [17] يذكر في كتبهم أصلا ، وهذه كتب الأنبياء [ الموجودة ] علي [18] التي أخرج الناس ما فيها من ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ليس في شيء منها ذكر ، بل ذكروا أن في التابوت الذي كان فيه عند علي المقوقس صور الأنبياء - صورة أبي بكر مع صورة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه بها يقيم الله أمره . وهؤلاء الذين أسلموا من وعمر أهل الكتاب لم يذكر أحد منهم أنه ذكر عندهم ، فكيف يجوز علي ] علي أن يقال : إن كلا من الأنبياء بعثوا بالإقرار بولاية [ [19] ولم يذكروا ذلك لأممهم ولا نقله أحد منهم ؟