حدثنا محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثنا عمي قال: حدثني أبي عن قال: خرج غلام من ابن الكلبي مذحج، أحسبه قال: من صدا يرعى غنيمات له، فأدركته السماء فأوى إلى كهف فأكن غنمه واقتدح نارا واحتلب لبنا فوغره، فإذا ثلاثة نفر قد ولجوا عليه الغار فحيوه فرد تحيتهم وقال: هلموا، وقرب إليهم غمره بما فيه، فأخذه أحدهم فشمه ثم رده ثم أنشأ يقول:
يا راعي الضأن اغتنث من مضحكا روى لك الله قفيل نحضكا
يقال: اغتنث من الإناء شربة أو شربتين إذا جرعت. يقال: جرع ولعق يلعق،
[ ص: 708 ] والقفيل: اليابس، والنحض: اللحم.
ولا عدمت غبية بأرضكما تعيد غمرا ما انزوى من برضكا
الغبية: الدفعة من المطر، الغمر: الماء الكثير، الانزواء: التقبض، والبرض: الماء القليل؛ قال: ومن الانزواء قول الأعشى:
يزيد يغض الطرف دوني كأنما زوى بين عينيه علي المحاجم
فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ولا تلقني إلا وأنفك راغم
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: . زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها
وقال الثاني:
يا راعي البهم سقيت ريا ولا تزال تطأ السميا
والسمي: جمع السماء، والمعنى المطر؛ حكي عن العرب: ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم.
وسميها والتابع الوليا لا تعدم الدهر حيا مرعيا
قال القاضي: الوسمي: أول مطر الربيع، وقيل: إنما سمي وسميا لأنه يسم الأرض، والولي المطرة التي تلي الوسمي، والحيا: الغيث، مقصور، قال ذو الرمة:
خليلي لا تستيئسا واسألا الذي له كل أمر أن يصوب ربيع
حيا لبلاد شيب المحل أهلها وجبرا لعظم في شظاه صدوع
يروى البيت الأول على وجهين لا تستيئسا من اليأس، ولا تستبئسا من التباؤس والتمسكن.
وقال الثالث:
يا ساقي البهم سقاك الساقي بكل أحوى مثجم غيداق
حتى ترى ظواهر البراق ضاحكة الروض إلى الإشراق
قال القاضي: الأحوى: الأحمر الذي يضرب حمرته إلى السواد، والمثجم: المقيم، يقال: أثجم فهو مثجم إذا أقام، وغيداق: كثير واسع من قول الله تعالى: لأسقيناهم ماء غدقا وغيداق فيعال منه والياء زائدة، والبراق: جمع برقة. فقال الغلام:
حييتم من فتية أزوال شم الأنوف سادة أقوال
أقوال يصفهم بالسؤدد والرئاسة، ويقال وأقيال وأقوال لملوك اليمن، وقيل: إن القيل هو من دون الملك الأعظم، وقيل: إن أصله من القول فمن هاهنا قيل أقوال، كأن أصله قيل أي: فيعل، والأصل قيول، فقلبت الواو ياء وأدغم الحرف الأول في الثاني فصار ياء مشددة. وخففوا فقالوا: قيل، ومثله ميت وميت وأصله ميوت. وكان يأبى أن [ ص: 709 ] يكون في المعتل فيعل كما لم يأت في الصحيح، ويزعم أن أصل هذا فعيل، ولما يحتج به ويحتج به مخالفوه مكان هو أولى به، وأكثرهم يقول: قيل وأقيال كما قال الفراء عبد المسيح بن حنان بن بقيلة:
رسول قيل العجم يسري بالوثن
ويجمع القيل أيضا قيولا، ويقولون للمرأة قيلة، وبه سميت قيلة.
إن القرى يعتد للنزال فدونكم مدمومة الأوصال
فأحنذوا من هذه الأجذال
قال القاضي: أحنذوا معناه اشتووا، من قول الله تعالى: بعجل حنيذ أي محنوذ، ومعناه مشوي، وقيل: هو الذي يشوى على الأرض أو فيها ولا يبالغ في إنضاجه، وإنه من شي الأعراب، وقيل: إنه الرطب الذي فيه نداوة، ومنه حنذب الفرس إذا أجريته ليعرق؛ كما قال والأجذال: جمع جذل، ويقال جذال، وهو العود من الخشب الشاعر: ذو الرمة
ما كنت في الحرب العوان مغمرا إذ شب حر وقودها أجذالها
وقال ذو الرمة:
يظل بها الحرباء للشمس ماثلا على الجذل إلا أنه لا يكبر
وقال الحباب بن المنذر يوم السقيفة: أنا جذيلها المحكك، هذا معناه.