خبأت هذا لك
حدثنا الحسين بن محمد بن عفير الأنصاري، قال: حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى الحساني، قال: حدثنا عن حاتم بن وردان، أيوب، عن ابن أبي مليكة، قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبية، فقال لي أبي المسور بن مخرمة، مخرمة: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لعله أن يعطينا منها شيئا، قال: فأتيناه فسمع كلام أبي على الباب قال: فخرج إلينا وفي يده قباء وهو يري أبي محاسنه ويقول: خبأت هذا لك. عن
[ ص: 40 ] التعليق على الحديث
قال القاضي: في هذا الخبر لعله أن يعطينا وهي لغة لبعض العرب، والأشهر كلامها، لعله يعطينا بغير أن، وقد ذكرنا هذا الباب فيما مضى من مجالسنا هذه وشرحنا وجهه وأحضرنا صورا من شواهد الشعر فيه، واشتقاقه من الجمع والضم فقيل له قباء لما فيه من الاجتماع، وإما بجمعه جسم لابسه وضمه إياه عند لبسه ومنه قول والقباء ممدود، وجمعه أقبية وهو من ملابس الأعاجم في الأغلب، سحيم عبد بني الحسحاس:
فإن تهزئي مني فيا رب ليلة تركتك فيها كالقباء المفرج
وقراء أهل المدينة ونحاتهم يعبرون عن المعرب والمبني الذي يسميه قراء العراق ونحاتهم مرفوعا ومضموما بأنه مقبوء، فيشيرون بعبارتهم إلى الضم الذي من باب الجمع، وقد شرحنا هذه الجملة شرحا واسعا في كتابنا الذي شرحنا فيه مختصر أبي عمر الجرمي في النحو.وقد تسمي العرب القباء اليملق وتجمعه يلامق، كما قالت هند بنت عتبة:
نحن بنات طارق نمشي على النمارق
ونلبس اليلامق
وقال ذو الرمة:
تجلو البوارق عن مجرمز لهق كأنه متقبي يلمق عزب
وفي خبر المسور هذا، البيان البين عن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتفقد أصحابه بألطافه وصلاته، ويشاركهم فيما يسديه الله إليه من رزق ويفيئه عليه من فضله، وأنهم كانوا يسألونه عن حاجتهم، ويرغبون إليه في بذل الرفد لهم، وإضافة الأموال عليهم، لبسطه إياهم وخفض جناحه لهم، ولظهور جوده وسعة خلقه عندهم صلى الله عليه وسلم.