الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المجلس الرابع والأربعون

نعيمان الصحابي الظريف

حدثنا أحمد بن سليمان بن داود الطوسي ، قال : حدثنا الزبير - يعني ابن بكار - قال : وحدثني يحيى بن محمد ، قال : حدثني يعقوب بن جعفر بن أبي كثير ، قال : حدثني أبو طوالة عبد الرحمن بن عبد الله الأنصاري ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، قال : كان بالمدينة رجل يقال له نعيمان ، يصيب الشراب ، فكان يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيضربه بنعله ، ويأمر أصحابه فيضربونه بنعالهم ، ويحثون عليه التراب ، فلما كثر ذلك منه ، قال له رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : لعنك الله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تفعل ، فإنه يحب الله ورسوله .

قال : وكان لا يدخل المدينة طرفة إلا اشترى منها ثم جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ! هذا أهديته لك ، فإذا جاء صاحبه يطالب نعيمان بثمنه جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ! أعط هذا ثمن متاعه ، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولم تهده إلي ؟ فيقول : يا رسول الله ! إنه - والله - لم يكن ثمنه عندي ، ولقد أحببت أن تأكله ، فيضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأمر لصاحبه بثمنه .


وفي هذا الخبر ما أبان فضل مكارم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن فكاهته وسعة خلقه وسجاحته .  وقد روينا أنه كان من أفكه الناس ، وأنه كان يقول : " إني لأمزح ولا أقول إلا حقا " ، وأنه قال : " إن الله تعالى لا يؤاخذ المزاح الصادق في مزاحه " .

ونعيمان هذا ممن شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان كثير الدعابة بديع الممازحة ، وجلده رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر ، وكانت له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دعابات استحسنها الناس ويعجبون بها .

منها ، ما حدثناه أحمد بن سليمان الطوسي ، قال : حدثنا الزبير ، قال : وحدثني يحيى بن عبد الله بن أبي الحارث بن عبد الله الأصغر بن زمعة ، عن جابر بن علي بن يزيد بن عبد الله [ ص: 327 ] الأصغر بن وهب بن زمعة ، عن قريبة بنت عبد الله الأصغر بن وهب ، عن أبيها ، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت : خرج أبو بكر الصديق قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعام في تجارة إلى بصرى ومعه نعيمان بن عمرو الأنصاري وسليط بن حرملة ، وهما ممن شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان سليط بن حرملة على الزاد ، وكان نعيمان مزاحا ، فقال لسليط ، أطعمني ، فقال : لا أطعمك حتى يأتي أبو بكر ، فقال نعيمان لسليط : لأغيظنك .

فمروا بقوم فقال نعيمان لهم : أتشترون مني عبدا لي ؟ قالوا : نعم ، قال : إنه عبد له كلام ، وهو قائل لكم لست بعبده وأنا ابن عمه ، فإن كان إذا قال لكم ذلك تركتموه فلا تشتروه ولا تفسدوا علي عبدي ، قالوا : لا ، بل نشتريه ولا ننظر في قوله .

فاشتروه منه بعشر قلائص ، ثم جاءوا ليأخذوه فامتنع منهم ، فوضعوا في عنقه عمامة ، فقال : لا ، إنه يتهزأ ولست بعبده ، فقالوا : قد أخبرنا خبرك ولم يسمعوا كلامه .

فجاء أبو بكر الصديق فأخبروه الخبر ، فأتبع القوم فأخبرهم أنه مزح ، ورد عليهم القلائص وأخذ سليطا منهم ، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر فضحك من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه جولا وأكثر .


ولنعيمان أخبار كثيرة لا يحتمل كتابنا هذا إحضار جميعها ، وقد استدل مستدلون بما أتى في الخبر الأول من ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على نعيمان ، وزجره للاعنه ، ونظائره من الأخبار على فساد مذهب المعتزلة في وعيد أهل الصلاة وعلى صحة تجويز العفو عنهم وأنهم في مشيئة الله تعالى .  

وللكلام في هذا الباب موضع آخر .

التالي السابق


الخدمات العلمية