الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المجلس الثامن والتسعون

حديث أبي مطر عن علي وهو يتجول في الأسواق

حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمذاني قال: حدثنا جعفر بن عبد الله المحمدي قال: حدثنا عمر بن محمد بن عمر بن علي بن الحسين قال: سمعت يحيى بن عبد الله بن الحسين يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: قدم شيخ من أهل البصرة يقال له أبو مطر، فقيل لي: إنه يروي حديثا عن أمير المؤمنين أنت؟ فقلت: أنا جعفر بن محمد بن علي بن الحسين. فأخذني فضمني إليه وبكى ثم قال: نعم قدمت الكوفة وليس لي بها معرفة فكنت آوي إلى المسجد بالليل، وكان المسجد عمارته بالليل كعمارته بالنهار من بين مصل أو ذاكر فقه أو متعبد. فدخلت السوق وأنا غلام ذيال صاحب سكينية، فإذا رجل من خلفي يقول: ارفع إزارك فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك، وخذ من شعرك إن كنت مسلما.  فالتفت فإذا رجل أصلع ضخم البطن مؤتزر أسفل من ثدييه، عليه رداؤه وفي يده مخفقة. فقلت: من هذا؟ قالوا: أمير المؤمنين.

فتجنبت الطريق فحللت شعري وفرقته، ورفعت إزاري وشمرته، واتبعته فدخل دار الوليد بن عقبة، وكانت الإبل تباع بها، فقال: يا معشر أصحاب الإبل إياكم والحلف فإنه ينفق السلعة ويمحق البركة،  ثم أتى النحاسين فقال: يا معشر النحاسين إياكم أن تزينوا سلعتكم بما ليس فيها، ألا إنني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من غشنا "، ثم أتى التمارين فقال: يا معشر التمارين، تصدقوا يرب كسبكم، وأوفوا الكيل والميزان، ولا تبخسوا الناس أشياءهم. فلما كاد يجوزهم إذا هو بأمة تبكي، قال ما لك؟ قالت: ابتعت من هذا تمرا بدرهم فأتيت به أهلي فقالوا: رديه. فقال: يا تمار، خذ تمرك واردد عليها [ ص: 725 ] فإنه ليس لها أمر. فأنكره التمار ولم يعرفه وقال له بالفارسية: اذهب إلى شأنك، ثم عرفه فأقبل يعتذر وهو يبكي، فقال: ما شأنه؟ فقالوا: ذكر أنه لم يعرفك، يسألك أن ترضى عنه، قال: فما أرضاني عنه وعن من كان مثله إذا وفى للمسلمين بشروطهم وأدى حقوقهم. ثم مضى من فوره إلى القصابين فقال: إياكم والنفخ والغش. فقام رجل يقال له زكا اليهودي فقال: يا أمير المؤمنين، إن النفخ لا يزيد فيه ولا ينقص منه، فقال: ويحك فما هو؟ قال: يزينه، قال: فذاك الغش. ثم أتى السماكين فقال: يا معشر أصحاب الحيتان، ولا تبيعوا في سوقنا الطافي فإنه ميت. ثم أتى البزازين فجلس إلى شيخ فقال: بعني قميصا بثلاثة دراهم وأحسن بيعي، فناوله قميصا فقال: يا أمير المؤمنين يقوم علي بأربعة دراهم وهو لك بثلاثة دراهم، قال: نقصت من رأس مالك درهما من أجل أنك عرفتني، لست أنا الذي أبتاع منك شيئا. فجلس إلى آخر فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم فلبسه ثم قال: الحمد لله الذي كساني من رياشه ما أتجمل به في الناس وأواري به عورتي. ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هكذا. ثم أتى الرحبة فهتف: يا قنبر، يا قنبر آتني بطهور، فأقبل بإناء من خزف فأهوى ليصب عليه، فتناوله فوضعه بين يديه، ثم أفرغ على يمينه، ثم جمع بين كفيه فغسلهما حتى أنقاهما، واستنشق ثلاثا، وتمضمض ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا، يستقبل باطن أذنيه بكفيه ويستدبرهما بإبهاميه، ثم غسل ذراعيه ثلاثا، ثم مسح برأسه، ثم غسل قدميه، ثم جرع من فضل وضوئه، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع.  فأتاه شيخ فقال: يا أمير المؤمنين، إنك أتيت ابني وهو لا يعرفك فابتعت منه قميصا وإنه أغلى عليك، إنما يقوم علينا بدرهمين، فخذ هذا الدرهم. قال: لا، أخذت رضاي وأخذ الغلام حاجته. ثم أخذ مؤذنه ابن النباح في الإقامة، فإذا رجل يقول: يا أمير المؤمنين إني سرقت جملا فبعته وأكلت ثمنه، قال: يا قنبر دونك الرجل أوقد النار وأعد المحد حتى آتيك، فدخل فصلى بالناس وصليت معه، فلما قضى الصلاة خرج مبادرا حتى انتهينا إليهما، فإذا الرجل يقول: يا قنبر، ما تراه صانعا بي، قال: لا ولكني ما سرقت شيئا قط؛ إذ أقبل أمير المؤمنين فقال: يا قنبر ما فعل الرجل؟ علي به. قال: هو ذا، هو يزعم ما سرقت شيئا قط، قال: ويحك ما دعاك إلى ما قلت؟ قال: يا أمير المؤمنين أنكرت عقلي، قال: آلله، قال: الله. فناشده الله ثلاثا، كل ذلك يقول: آلله ما سرقت شيئا قط. قال: يا قنبر أخل سبيل الرجل، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم   ".


سند آخر للحديث السابق

حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثني جعفر بن عبد الله قال: حدثنا عمر بن محمد قال: حدثنا غالب بن عثمان الهمداني قال: حدثنا مختار بن نافع أبو إسحاق العكلي التمار قال: حدثني أبو مطر عمر بن عبد الله الجهني البصري قال: قدمت من البصرة [ ص: 726 ] فأتيت الكوفة ولم يكن لي بها معرفة، فذكر مثل حديث يحيى بن عبد الله أو نحوه.

التالي السابق


الخدمات العلمية