حدثنا قال: كان مع محمد بن يحيى الصولي، المعتضد أعرابي فصيح يقال له شعلة بن شهاب اليشكري، وكان يأنس به فأرسله إلى محمد بن عيسى بن شيخ وكان عارفا به ليرغبه في الطاعة ويحذره العصيان ويرفق به، فقال شعلة بن شهاب فصرت إليه فخاطبته أقرب خطاب فلم يجبني، فوجهت إلى عمته أم الشريف فصرت إليها فقالت: يا أبا شهاب! كيف خلفت أمير المؤمنين، فقلت: خلفته والله أمارا بالمعروف فعالا للخير، متعززا على الباطل متذللا للحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، فقالت لي: أهل ذلك هو مستحقه ومستوجبه، وكيف لا يكون كذلك وهو ظل الله عز وجل الممدود على بلاده، وخليفته على عباده، وأعز به دينه، وأحيا به سنته، وثبتت به شرائعه، ثم قالت: يا أبا شهاب فكيف رأيت صاحبنا؟ قلت: رأيت حدثا معجبا قد استحوذ عليه السفهاء واستبد بآرائهم وأنصت لأفواههم، يزخرفون له الكذب ويوردونه الندم، فقالت: هل لك أن ترجع إليه بكتابي قبل لقاء أمير المؤمنين، فلعلك تحل عقدة السفهاء؟ قال: قلت: أجل، فكتبت إليه كتابا حسنا لطيفا معجبا أجزلت فيه الموعظة وأخلصت فيه النصيحة بهذه الأبيات:
اقبل نصيحة أم قلبها وجل عليك خوفا وإشفاقا وقل سددا واستعمل الفكر في قولي فإنك إن
فكرت ألفيت في قولي لك الرشدا ولا تثق برجال في قلوبهم
ضغائن تبعث الشنآن والحسدا مثل النعاج خمولا في بيوتهم
حتى إذا أمنوا ألفيتهم أسدا وداو داءك والأدواء ممكنة
وإذ طبيبك قد ألقى إليك يدا أعط الخليفة ما يرضيه منك ولا
تمنعه مالا ولا أهلا ولا ولدا واردد أخا يشكر ردا يكون له
ردءا من السوء لا تشمت به أحدا
ريب الزمان وصرفه معتادة كشف القناعا
أذل بعد العز منا الصعب والبطل الشجاعا
ولكم نصحت فما أطع ت وكم حرصت بأن أطاعا
فأبى بنا المقدار إلا أن نقتسم أو نباعا
يا ليت شعري هل ترى يوما لفرقتنا اجتماعا
قل للخليفة والإمام المرتضى ابن الخلائف من قريش الأبطح
علم الهدى وسراجه ومناره مفتاح كل عظيمة لم تفتح
بك أصلح الله البلاد وأهلها بعد الفساد وطال ما لم تصلح
فتزحزحت بك هضبة العرب التي لولاك بعد الله لم تتزحزح
أعطاك ربك ما تحب فأعطه ما قد يحب وجد بعفوك واصفح
يا بهجة الدنيا وبدر ملوكها هب ظالمي ومفسدي لمصلحي