هذا في سبيل الله
حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد إملاء في يوم الأحد لست بقين من شعبان سنة ست عشرة وثلثمائة، قال: حدثنا محمد بن زياد بن الربيع الزيادي، قال: حدثنا عن حماد بن زيد، عاصم، عن عن أبي وائل، قال: عبد الله، يعني ابن مسعود، وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا، فقال: "هذا سبيل الله، ثم خط خطوطا يمينا وشمالا ثم قال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه" ثم قرأ
قال القاضي أبو الفرج: وهذا وأرصن الأمثال البليغة المضروبة الصحيحة وأوضحها، وذلك أنه خط خطا جعله مثل الصراط في استقامته إذ لا زيغ فيه ولا ميل، ثم خط خطوطا يمنة وشأمة آخذة في غير سمته وجهته، تفرق بمن سلكها واتبعها عن السبيل التي هي سبيل الهدى، والنجاة من مرديات الهوى، وبهذا جاء وحي الله وتنزيله في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قال: جل ذكره: القول من النبي صلى الله عليه وسلم والتمثيل من أبين الأقوال البليغة وأفصحها، شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه فدل هذا على مثل ما دلت عليه الآية التي تلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخبر الذي رويناه فقال تعالى: إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء وقال: [ ص: 24 ] فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون في كثير مما يضاهي هذا المعنى، والسبيل الطريق. وقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر حين خط الخط "هذا سبيل الله" يحتمل أن يكون إشارة إلى الخط فذكر، إذ الخط مذكر، وجائز أن تكون الإشارة فيه إلى السبيل فذكره إذ العرب تذكر السبيل وتؤنثه، وقد جاء التنزيل باللغتين، على أن منه من يذكر الطريق ومنهم من يؤنثه وكذلك الصراط، قال عز وجل في التذكير: وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا وذكر أنها في قراءة لا يتخذها ويتخذها بالتأنيث وقال في التأنيث: أبي بن كعب وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر وقال: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة والتذكير والتأنيث كثير موجود في الكتاب والسنة كقول النبي صلى الله عليه وسلم "لولا أنه سبيل آت وحتم مقضي" وفي أشعار العرب وسائر كلامها، والتأنيث أكثر، وأنشد أبو عبيدة:
فلا تجزع فكل فتى أناس سيصبح سالكا تلك السبيلا
وأما قول الله ولتستبين سبيل المجرمين فقد أتت القراءة فيه بالوجهين معا، أعني التذكير والتأنيث، فكان من قرأ بالتأنيث الحسن ومجاهد وعبد الله بن كثير وعبد الله بن عامر وأبو عمرو بن العلاء وأبو المنذر سلام بن المنذر، ويعقوب الحضرمي وقرأ ذلك بالتذكير الأعمش وعاصم وحمزة وقرأ ذلك والكسائي، أبو جعفر المدني وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج وشيبة ونافع ولتستبين سبيل المجرمين أي لتتبينها يا أيها النبي وتستوضحها، والتاء في هذه القراءة للمخاطبة ولا دلالة فيها على تذكير ولا تأنيث، والسبيل منصوبة بالفعل، وقد اختلفت القراءة أيضا في كسر وأن هذا صراطي مستقيما وفتحها وتخفيفها وتشديدها وفتح الياء من صراطي وإسكانها، فقرأ بكل وجه من هذه الوجوه أئمة من قراء الأئمة، فمن قرأ وأن هذا بالفتح والتشديد في أن وصراطي بإسكان الياء أبو جعفر وابن هرمز الأعرج وشيبة ونافع وعاصم وممن قرأ بكسر إن وتشديدها وتسكين ياء صراطي وأبو عمرو، عبد الله الأعمش، وطلحة بن مصرف على الابتداء، وممن قرأ بفتح الهمزة وتخفيفها وفتح ياء صراطي والكسائي عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي وقرأ وعبد الله بن عامر أبو المنذر سلام: وأن بالفتح والتشديد وصراطي بفتح الياء، وقرأ وأن بالفتح والإسكان لياء صراطي قال يعقوب الحضرمي. القاضي أبو الفرج وبهذه القراءة أقرأ، وهي وسائر ما قدمنا ذكره من القراءات في هذه الآية صواب عندنا صحيح معناه لدينا، وقد تقرأ به وتراه مستقيما حسنا في معناه ولفظه، وترى مختاري القراءة به مصيبين، ولسبيل الحق متبعين، وبالله ذي الطول والقوة والحول نستعين.