الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المأمون يترك جاريته الحبيبة إلى بلاد الروم  

حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن مالك النحوي، قال: أخبرنا يحيى بن أبي حماد الموكبي، عن أبيه، قال: لما وصفت للمأمون جارية بكل ما توصف به امرأة من الكمال والجمال، فبعث في شرائها فأتي بها وقت خروجه إلى بلاد الروم، فلما هم بلبس درعه خطرت بباله فأمر فأخرجت إليه، فلما نظر إليها أعجب بها وأعجبت به، فقالت: ما هذا: قال: أريد الخروج إلى بلاد الروم. قالت: قتلتني والله يا سيدي، وجرت دموعها على خدها كنظم اللؤلؤ، وأنشأت تقول:


سأدعو دعوة المضطر ربا يثيب على الدعاء ويستجيب     لعل الله أن يكفيك حربا
ويجمعنا كما تهوى القلوب

فضم المأمون إلى صدره وأنشأ متمثلا يقول:


فيا حسنها إ يغسل الدمع كحلها     وإذ هي تذري الدمع منها الأنامل
صبيحة قالت في العتاب قتلتني     وقتلي بما قالت هناك تحاول

ثم قال لخادمه: يا مسرور احتفظ بها وأكرم محلها وأصلح لها كل ما تحتاج إليه من [ ص: 118 ] المقاصير والخدم والجواري إلى وقت رجوعي، فلولا ما قال الأخطل حين يقول:


قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم     دون النساء ولو باتت بأطهار

ثم خرج فلم يزل يتعهدها ويصلح ما أمر به، فاعتلت الجارية علة شديدة أشفق عليها منها وورد نعي المأمون، فلما بلغها ذلك تنفست الصعداء وتوفيت، وكان مما قالت وهي تجود بنفسها:


إن الزمان سقانا من مرارته     بعد الحلاوة أنفاسا فأروانا
أبدى لنا تارة فأضحكنا     ثم انثنى تارة أخرى فأبكانا
إنا إلى الله فيما لا يزال لنا     من القضاء ومن تلوين دنيانا
دنيا نراها ترينا من تصرفها     ما لا يدوم مصافاة وأحزانا
ونحن فيها كأنا لا نزايلها     للعيش أحياؤنا يبكون موتانا

التالي السابق


الخدمات العلمية