الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الحجاج وفراشة التي كانت تجهز الخوارج  

حدثنا ابن دريد، قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، وذكره أبو حاتم عن العتبي أيضا، قال: كانت امرأة من الخوارج من الأزد يقال لها فراشة، وكانت ذات نبه في رأي الخوارج تجهز أصحاب البصائر منهم، وكان الحجاج يطلبها طلبا شديدا، فأعوزته فلم يظفر بها، وكان يدعو الله أن يمكنه من فراشة أو من بعض من جهزته، فمكث ما شاء الله ثم جيء برجل فقال: هذا ممن جهزته فراشة، فخر ساجدا ثم رفع رأسه، فقال له: يا عدو الله، قال: أنت أولى بها يا حجاج، قال: أين فراشة؟ قال: مرت تطير منذ ثلاث. قال: أين تطير؟ قال: تطير [ ص: 122 ] ما بين السماء والأرض، قال: أعن تلك سألتك عليك لعنة الله؟ قال: عن تلك أخبرتك عليك غضب الله، قال: سألتك عن المرأة التي جهزتك وأصحابك، قال: وما تصنع بها؟ قال: دلنا عليها، قال: تصنع بها ماذا؟ قال: أضرب عنقها. قال: ويلك يا حجاج، ما أجهلك! تريد أن أدلك وأنت عدو الله على من هو ولي الله؟ قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين. قال: فما رأيك في أمير المؤمنين عبد الملك؟ قال: على ذاك الفاسق لعنة الله ولعنة اللاعنين، قال: ولم لا أم لك؟ قال: إنه أخطأ خطيئة طبقت بين السماء والأرض، قال: وما هي؟ قال: استعماله إياك على رقاب المسلمين، فقال الحجاج لجلسائه: ما رأيكم فيه؟ قالوا: نرى أن تقتله قتلة لم يقتل مثلها أحد، قال: ويلك يا حجاج، جلساء أخيك كانوا أحسن مجالسة من جلسائك، قال: وأي أخوي تريد؟ قال: فرعون حين شاور في أمر موسى فقالوا: أرجه وأخاه، وأشار عليك هؤلاء بقتلي، قال: وهل حفظت القرآن؟ قال: وهل خشيت فراره فأحفظه؟ قال: هل جمعت القرآن؟ قال: ما كان متفرقا فأجمعه، قال: أقرأته ظاهرا؟ قال: معاذ الله بل قرأته وأنا أنظر إليه، فقال: فكيف تراك تلقى الله إن قتلتك؟ قال: ألقاه بعملي وتلقاه بدمي، قال: إذا أعجلك إلى النار، قال: لو علمت أن ذلك إليك أحسنت عبادتك واتقيت عذابك ولم أبغ خلافك ومناقضتك، قال: إني قاتلك، قال: إذا أخاصمك لأن الحكم يومئذ إلى غيرك، قال: نقمعك عن الكلام السيئ، يا حرسي! اضرب عنقه، وأومى إلى السياف ألا يقتله، فجعل يأتيه من بين يديه ومن خلفه ويروعه بالسيف، فلما طال ذلك عليه رشح جبينه، قال: جزعت من الموت يا عدو الله؟ قال: لا يا فاسق، ولكن أبطأت علي بما لي فيه راحة، قال: يا حرسي أعظم جرحه، فلما أحس بالسيف قال: لا إله إلا الله، ووالله ما أتمها ورأسه في الأرض.

التالي السابق


الخدمات العلمية