سليمان عليه السلام أول ما ظهر من فهم
حدثنا محمد بن الحسين بن زياد المقري، قال: أخبرنا قال: حدثنا الحسن بن سفيان، قال: أخبرنا صفوان بن صالح، الوليد، قال: أخبرنا عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن مجاهد، قال: لما تزوج عبد الله بن عباس، داود عليه السلام بتلك المرأة، وولدت له سليمان بن داود بعدما تاب الله عز وجل عليه، غلاما طاهرا نقيا فهما عاقلا عالما، وكان من أجمل الناس وأعظمه وأطوله، فبلغ مع أبيه حتى كان يشاوره في أموره ويدخله في حكمه، فكان أول ما عرف داود من حكمته وتفرس فيه النبوة أن امرأة كانت كسيت جمالا، فجاءت إلى القاضي تخاصم عنده، فأعجبته فأرسل إليها يخطبها، فقالت: ما أريد النكاح فراودها على القبيح، فقالت: أنا عن القبيح أبعد، فانقلبت منه إلى صاحب الشرطة فأصابها منه مثل الذي أصابها من القاضي، فانقلبت إلى صاحب السوق فكان منه مثل ذلك، فانقلبت منه إلى حاجب داود فأصابها منه ما أصابها من القوم، فرفضت حقها ولزمت بيتها فبينا القاضي وصاحب الشرطة وصاحب السوق والحاجب جلوس يتحدثون فوقع ذكرها، فتصادق القوم بينهم وشكا كل واحد منهم إلى صاحبه ما أصابه من العجب بها، قال بعضهم: وما يمنعكم وأنتم ولاة الأمر أن تتلطفوا بها حتى تستريحوا منها فاجتمع رأي القوم على أن يشهدوا أن لها كلبا وأنها تضطجع فترسله على نفسها حتى ينال منها ما ينال الرجل من المرأة، فدخلوا على داود عليه السلام، فذكروا له أن امرأة لها كلب تسمنه وترسله على نفسها حتى يفعل بها ما يفعل الرجل بالمرأة فكرهنا أن نرفع أمرها إليك حتى تتحقق، فمشينا حتى دخلنا منزلا قريبا منها في الساعة التي بلغنا أنها تفعل ذلك، فنظرنا إليها كيف حلته من رباطه ثم اضطجعت له حتى نال منها ما ينال الرجل من المرأة، ونظرنا إلى الميل يدخل في المكحلة ويخرج منها، فبعث داود عليه السلام فأتي بها فرجمها، فخرج سليمان يومئذ وهو غلام حين ترعرع ومعه الغلمان ومعه حصانه يلعب، فجعل منهم صبيا قاضيا آخر على الشرطة وآخر على السوق وآخر حاجبا وآخر كالمرأة، ثم جاءوا يشهدون عند سليمان مثل ما شهد أولئك عند داود عليه السلام يريدون رجم ذلك الصبي كما رجمت المرأة، قال سليمان عند شهادتهم: فرقوا بينهم، ثم دعا بالصبي الذي جعله قاضيا، فقال: أيقنت الشهادة؟ قال: نعم. قال: فما كان لون الكلب؟ قال: أسود، قال: نحوه، ونادى بالذي جعل على الشرطة، فقال له: أيقنت الشهادة؟ قال: نعم. قال: فما كان لون الكلب؟ قال أحمر، قال: نحوه، ثم دعا بصاحب السوق فقال: أيقنت الشهادة؟ قال: نعم، قال: فما كان لون الكلب؟ قال: أبيض قال: نحوه، ثم دعا بالذي [ ص: 172 ] جعله حاجبا، فقال: أيقنت الشهادة؟ قال: نعم. قال: فما كان لون الكلب؟ قال: أغبش، قال: أردتم أن تغشوني حتى أرجم امرأة من المسلمين، فقال للصبيان: ارجموهم، وخلى سبيل الصبي الذي جعله امرأة ورجع إلى حصانه، فدخلوا على داود عليه السلام فأخبروه الخبر، فقال داود: علي بالشهود الساعة واحدا واحدا فأتي بهم فسأل القاضي: ما كان لون الكلب؟ قال: أسود، ثم فأتي بصاحب الشرطة فسأله فقال: أبيض، ثم فأتي بصاحب السوق فسأله فقال: كان أحمر، ثم فأتي بالحاجب فسأله فقال: كان أغبش، فأمر بهم داود عليه السلام فقتلوا مكان المرأة، فكان هذا أول ما استبان لداود عليه السلام من فهم سليمان عليه السلام.
وقد حدث في أيام الدولة العباسية في وديعة أودعها بعض الشهود بواسط، فأبدلها واختان صاحبها فيها ما يضارع هذه القصة من بعض جهاتها، نحن نأتي بها فيما نستأنفه من مجالس كتابنا هذا إن شاء الله.