حدثنا أحمد بن محمد، أبو عبد الله الأضاحي المعروف بحرمي، ثنا أبو سعيد عبد الله بن شبيب، قال: حدثني محمد بن عبد الله بن عمرو بن معاوية بن عتبة بن أبي سفيان، عن أبيه، قال: جلست ميسون بنت بحدل الكلبية ترجل ابنها يزيد بن معاوية، وميسون يومئذ مطلقة، ومعاوية وفاختة بنت قرظة ينظران إليهما، ويزيد وأمه لا يعلمان، فلما فرغت من ترجيله نظرت إليه فأعجبها وقبلت بين عينيه، فقال معاوية بيتا من شعر:
إذا مات لم تفلح مزينة بعده فنوطي عليه يا مزين التمائما
قال: ومضى يزيد فأتبعته فاختة بصرها، وقالت: لعن الله سواد ساقي أمك، فقال معاوية: قد رأيتها؟ أما والله على ذاك لما فرجت عنه وركاها خير مما تفرجت عنه وركاك.
وكان لمعاوية من بنت قرظة عبد الله ، وكان أحمق الناس، قالت فاختة: لا والله ولكنك تؤثر هذا عليه، فقال: سوف أبين لك ذلك حتى تعرفيه قبل أن تقومي من مجلسك، يا غلام! ادع لي عبد الله، فدعاه فقال له معاوية: يا بني! إني قد أردت أن [ ص: 256 ] أسعفك وأن أصنع بك ما أنت أهله، فسل أمير المؤمنين فلست تسله شيئا إلا أعطاكه. فقال: حاجتي أن تشتري لي كلبا فارها وحمارا، فقال معاوية: يا بني! أنت حمار ونشتري لك حمارا، قم فاخرج، قال: كيف رأيت؟ يا غلام! ادع لي يزيد ، فدعاه.
فقال: يا بني! إن أمير المؤمنين قد أراد أن يسعفك ويوسع عليك ويصنع بك ما أنت أهله، فاسأله ما بدا لك، قال: فخر ساجدا، ثم قال حين رفع رأسه: الحمد لله الذي بلغ أمير المؤمنين هذه المدة، وأراه في هذا الرأي، حاجتي أن تعقد لي العهد من بعدك، وتوليني العام صائفة المسلمين، وتحسن جهازي وتقويني، فتكون الصائفة أول أسفاري، وتأذن لي في الحج إذا رجعت وتوليني الموسم، وتزيد أهل الشام عشرة دنانير لكل رجل، وتجعل ذلك بشفاعتي، وتفرض لأيتام بني جمح وأيتام بني سهم وأيتام بني عدي، قال: ما لك ولبني عدي؟ قال: لأنهم جالفوني وانتقلوا إلى داري، قال معاوية: قد فعلت - إذا رجعت - ذلك بك، وقبل وجهه وقال لابنة قرظة: كيف رأيت؟ قالت: يا أمير المؤمنين! أوصه بي، فأنت أعلم به، ففعل.
قال القاضي: قد روينا هذا الخبر من طريق آخر، وفيه: عبد الله سأل مالا وأرضا، وأن يزيد قال لمعاوية: اعتقني من النار أعتق الله رقبتك من النار، فقال له: وكيف؟ قال: لأني وجدت في الأثر أنه " من تقلد أمر الأمة ثلاثة أيام حرمه الله على النار "، فاعهد إلي من بعدك. أن