قال القاضي أبو الفرج: أسكن في هذا البيت فقد تخدع والعرب إنما تسكن هذا ونحوه في كلامها إذا دخل عليه جازم، وينبغي أن يكون هذا مرفوعا على أصله، ولما لم يمكن هذا الشاعر تحريكه لئلا ينكسر وزن البيت الذي قاله أسكنه، وأقرب ما يعتذر له به أنه عمل على السكوت عليه ونيته الرفع فيه، وقد روي مثل هذا الوجه المستقبح في أبيات روتها العلماء، من ذلك قول الشاعر: ومتى لم يدخل عليه جازم يجزمه ولا ناصب ينصبه فتسكينه إذا وصل بكلام بعده خارج عن الفصيح المعروف في كلام العرب،
أقول شييهات بما قال عالم بهن ومن أشبه أباه فما ظلم
فهذا مما يستحق تحريكه بالفتح بناء لا إعراب، فيقال: ومن أشبه أباه، وما بهذا الشاعر ضرورة إلى ما أتاه لو قال: ومن يشبه أباه فجزم بحرف الشرط إذ هو من باب الجزاء لكان مصيبا محسنا، وقال آخر:شكونا إليه خراب السواد فحرم علينا لحوم البقر
وقد ذكر في كتابه من هذا الباب طرفا، وروى بيت سيبويه امرئ القيس:
[ ص: 39 ]
فاليوم أشرب غير مستحقب إثما من الله ولا واغل
وقد بدا هنك من المئزر
قال من أنكر هذا: إنما هو: وقد بدا ذاك، وقد روي عن أنه قرأ بهذه اللغة في مواضع من القرآن منها "فتوبوا إلى بارئكم" ويأمركم، و أنلزمكموها، فمن الرواة عنه من رواه بالسكون خالصا وأجاز فيه وفي نظائره مثل هذا، كما قال الشاعر: أبي عمرو
سوف أزحلقك غدا أو بعد غد
وروي أن هذا أتى مخففا لكثرة الحركات فيه، فاحتج بعض أصحابه بأن الحروف التي أسكنها مخصوصة بجواز حذف الحركة بمعنى يخصها دون غيرها، وليس هذا موضع الاشتغال به، وأنكر بعض رواة هذا، وذكر أنه كان مختلس الحركة فيظن من لا يعلم أنه أسكن، وهذا مذهب أبي عمرو في تأويل هذه القراءة وأما قول الشاعر في الخبر الذي ذكرناه عن سيبويه فقد تخدع وتؤخذ، فإن قائله لو ضم تخدع وجزم وتؤخذ لكان قد أتى بوجه معروف من كلام العرب، وقد قرأ جمهور القراء في القرآن ما منزلته في الإعراب منزلته، وذلك أن يرد الفعل الثاني على موضع الفاء الداخلة على الفعل الأول، وذلك قول الله عز وجل: الأعمش: فأصدق وأكن من الصالحين فكره من قرأ ذلك مخالفة رسم المصحف إذ لا واو فيه، وله في العربية وجه مفهوم، ومن ذلك قول أبي داؤد الأيادي:
فأبلوني بليتكم لعلي أصالحكم فأستدرج نويا