حدثنا محمد بن القاسم الأنباري ، قال: حدثنا عبد الله بن بنان ، قال: حدثنا عمرو الكوفي ، قال: حمزة بن بيض على يوم جمعة وهو يتأهب للمضي إلى [ ص: 302 ] المسجد، وجارية تعممه فضحك، فقال: له يزيد بن المهلب يزيد : مم تضحك؟ فقال: لله رؤيا رأيتها إن أذن لي الأمير قصصتها، قال: قل، فأنشأ يقول:
رأيتك في المنام سننت خزا علي بنفسجا وقضيت ديني فصدق ما هديت اليوم رؤيا
رأتها في المنام كذاك عيني
قال: كم دينك؟ قال: ثلاثون ألفا، قال: قد أمرت لك بها وبمثلها، ثم قال: يا غلمان! فتشوا الخزائن فجيئوه منها بكل خز بنفسج تجدونها، فجاءوا بثلاثين جبة، فنظر إليه يلاحظ الجارية، فقال: يا جارية عاوني عمك على قبض الجباب، فإذا وصلت إلى منزله فأنت له، فأخذها والجباب والمال وانصرف. دخل
قال: سننت خزا أي: ألقيته وصببته علي، يقال صب عليه ثوبه كما قال أبو نواس:
صببت على الأمير ثياب مدحي فقال الناس أحسن بل أجاد
ويقال: سننت علي قميصي، وسننت الماء على وجهي بالسين المهملة، وشننت علي الماء إذا أفضته على جسدك، بالشين المعجمة، وكذلك شن عليه الدرع، وشن عليهم الغارة، وقيل في قوله تعالى: من حمإ مسنون أي: مصبوب على قصد، وقيل: متغير الرائحة، وهذا مسنون وسنين، ولهذا الباب موضع هو مستقصى فيه، والسنة مشتقة من هذا الأصل لأنها شيء جار على وجهه، ومنه سنة الطريق وسننه، قال لبيد :
من معشر سننت لهم آباؤهم ولكل قوم سنة وإمامها
وسنة الوجه كأنها الشيء المصبوب الجاري على طريقة مقصودة: كما قال : ذو الرمة
تريك سنة وجه غير مقرفة ملساء ليس بها خال ولا ندب
يروى غير مقرفة وغير بالنصب والجر، فمن رواه نصبا فهو الوجه الظاهر في الصحة الذي لا شبهة فيه ولا مرية؛ إذ هو صفة لمنصوب، وهو السنة المنصوبة بالفعل وهو تريك، ومن رواه جرا فإنه أتبعه إعراب وجه المخفوض بالإضافة، على الطريقة التي يجيزها من يجيزها للمجاورة، ويجعلها بمنزلة قولهم " حجر ضب خرب "، وهذا وجه ضعيف مرغوب عنه، وكثير من النحويين لا يجيزه، ومن محققيهم من يلحن المتكلم به، وينسب مجيزه من النحاة إلى الخطأ والمتكلم به من العرب وإن كان قدوة حجة في اللغة إلى الغلط، وهذا يتسع القول فيه، وقد استقصينا بيانه في كتابنا " الشافي في طهارة الرجلين " وغيره من كتبنا ومسائلنا.