المجلس الرابع والأربعون
نعيمان الصحابي الظريف
حدثنا أحمد بن سليمان بن داود الطوسي ، قال : حدثنا الزبير - يعني ابن بكار - قال : وحدثني يحيى بن محمد ، قال : حدثني قال : حدثني يعقوب بن جعفر بن أبي كثير ، أبو طوالة عبد الرحمن بن عبد الله الأنصاري ، عن عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، أبيه ، قال : كان بالمدينة رجل يقال له نعيمان ، يصيب الشراب ، فكان يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيضربه بنعله ، ويأمر أصحابه فيضربونه بنعالهم ، ويحثون عليه التراب ، فلما كثر ذلك منه ، قال له رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : لعنك الله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تفعل ، فإنه يحب الله ورسوله .
قال : وكان لا يدخل المدينة طرفة إلا اشترى منها ثم جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ! هذا أهديته لك ، فإذا جاء صاحبه يطالب نعيمان بثمنه جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ! أعط هذا ثمن متاعه ، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولم تهده إلي ؟ فيقول : يا رسول الله ! إنه - والله - لم يكن ثمنه عندي ، ولقد أحببت أن تأكله ، فيضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأمر لصاحبه بثمنه .
وفي هذا الخبر ما أبان وقد روينا أنه كان من أفكه الناس ، وأنه كان يقول : فضل مكارم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن فكاهته وسعة خلقه وسجاحته . وأنه قال : " إني لأمزح ولا أقول إلا حقا " ، " إن الله تعالى لا يؤاخذ المزاح الصادق في مزاحه " .
ونعيمان هذا ممن شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان كثير الدعابة بديع الممازحة ، وجلده رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر ، وكانت له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دعابات استحسنها الناس ويعجبون بها .
منها ، ما حدثناه أحمد بن سليمان الطوسي ، قال : حدثنا الزبير ، قال : وحدثني يحيى بن عبد الله بن أبي الحارث بن عبد الله الأصغر بن زمعة ، عن جابر بن علي بن يزيد بن عبد الله [ ص: 327 ] الأصغر بن وهب بن زمعة ، عن عن قريبة بنت عبد الله الأصغر بن وهب ، أبيها ، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت : قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعام في تجارة إلى أبو بكر الصديق بصرى ومعه نعيمان بن عمرو الأنصاري وسليط بن حرملة ، وهما ممن شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان سليط بن حرملة على الزاد ، وكان نعيمان مزاحا ، فقال لسليط ، أطعمني ، فقال : لا أطعمك حتى يأتي أبو بكر ، فقال نعيمان لسليط : لأغيظنك .
فمروا بقوم فقال نعيمان لهم : أتشترون مني عبدا لي ؟ قالوا : نعم ، قال : إنه عبد له كلام ، وهو قائل لكم لست بعبده وأنا ابن عمه ، فإن كان إذا قال لكم ذلك تركتموه فلا تشتروه ولا تفسدوا علي عبدي ، قالوا : لا ، بل نشتريه ولا ننظر في قوله .
فاشتروه منه بعشر قلائص ، ثم جاءوا ليأخذوه فامتنع منهم ، فوضعوا في عنقه عمامة ، فقال : لا ، إنه يتهزأ ولست بعبده ، فقالوا : قد أخبرنا خبرك ولم يسمعوا كلامه .
فجاء فأخبروه الخبر ، فأتبع القوم فأخبرهم أنه مزح ، ورد عليهم القلائص وأخذ أبو بكر الصديق سليطا منهم ، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر فضحك من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه جولا وأكثر . خرج
ولنعيمان أخبار كثيرة لا يحتمل كتابنا هذا إحضار جميعها ، وقد استدل مستدلون بما أتى في الخبر الأول من ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على نعيمان ، وزجره للاعنه ، ونظائره من الأخبار على المعتزلة في وعيد أهل الصلاة وعلى صحة تجويز العفو عنهم وأنهم في مشيئة الله تعالى . فساد مذهب
وللكلام في هذا الباب موضع آخر .