بالحيرة الوليد يسافر ليشرب في حانة
حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي ، قال : حدثني أبو الفضل الربعي ، قال : أخبرنا قال : قال إسحاق الموصلي ، محمد بن منصور الأزدي ، حدثني شيخ من أهل الكوفة ، قال : حدثني خمار كان بالحيرة ، قال : ما شعرت يوما وقد فتحت حانوتي إذا فوارس ثلاثة متلثمون بعمائم خز قد أقبلوا من طريق السماوة في البرية ، فقال لي أحدهم : أنت مر عبد الخمار ؟ قلت : نعم ، وكنت موصوفا بالنظافة وجودة الخمر وغسل الأواني ، فقال : اسقني رطلا ، فقمت فغسلت يدي ثم نقرت الدنان فنظرت إلى أصفاها فبزلته وأخذت قدحا نظيفا فملأته ثم أخذت منديلا جديدا فناولته إياه فشرب ، وقال : اسقني آخر . فغسلت يدي وتركت ذلك الدن وذلك القدح وذلك المنديل ، ونقرت دنا آخر فبذلت منه رطلا في قدح نظيف ، وأخذت منديلا جديدا فسقيته فشرب ، وقال : اسقني رطلا آخر ، فسقيته في غير ذلك القدح ، وأعطيته غير ذلك المنديل ، فشرب وقال : بارك الله عليك ، فما أطيب شرابك وأنظفك ! فما كان رأيي أن أشرب أكثر من ثلاثة ، فلما رأيت نظافتك دعتني إلى شرب آخر فهاته ، فناولته إياه على تلك السبيل ، ثم قال : لولا أسباب تمنع من بيتك لكان حبيبا إلى أن أجلس فيه بقية يومي هذا .
وولى راجعا في الطريق الذي بدا منه ، وقال : اعذرنا ، ورمى إلي أحد الرجلين اللذين كانا معه بشيء فنظرت فإذا صرة فيها خمس مائة دينار ، وإذا هو الوليد بن يزيد أقبل من دمشق حتى شرب من شراب الحيرة وانصرف .
قال القاضي : أخبار الوليد بن يزيد كثيرة ، وقد ذكرها الإخباريون مجموعة ومفرقة ، ومعظمها يأتي متفرقا في مجالس كتابنا هذا .
وكنت جمعت شيئا منها فيه ، من سيره وآثاره ومن شعره الذي ضمنه ما فجر به من خرقه وسفاهته ، وحمقه وخسارته ، وهزله ومجونه ، وركاكته وسخافة دينه ، وما صرح به من الإلحاد في القرآن ، والكفر وباطله ممن أنزله وأنزل عليه ، وعارضت شعره السخيف بشعر حصيف ، وباطله بحق نبيه شريف ، وأتيت في هذا بما توخيت به رضا الله تعالى ، واستيجاب مغفرته .