الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الوليد يسافر ليشرب في حانة بالحيرة  

حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي ، قال : حدثني أبو الفضل الربعي ، قال : أخبرنا إسحاق الموصلي ، قال : قال محمد بن منصور الأزدي ، حدثني شيخ من أهل الكوفة ، قال : حدثني خمار كان بالحيرة ، قال : ما شعرت يوما وقد فتحت حانوتي إذا فوارس ثلاثة متلثمون بعمائم خز قد أقبلوا من طريق السماوة في البرية ، فقال لي أحدهم : أنت مر عبد الخمار ؟ قلت : نعم ، وكنت موصوفا بالنظافة وجودة الخمر وغسل الأواني ، فقال : اسقني رطلا ، فقمت فغسلت يدي ثم نقرت الدنان فنظرت إلى أصفاها فبزلته وأخذت قدحا نظيفا فملأته ثم أخذت منديلا جديدا فناولته إياه فشرب ، وقال : اسقني آخر . فغسلت يدي وتركت ذلك الدن وذلك القدح وذلك المنديل ، ونقرت دنا آخر فبذلت منه رطلا في قدح نظيف ، وأخذت منديلا جديدا فسقيته فشرب ، وقال : اسقني رطلا آخر ، فسقيته في غير ذلك القدح ، وأعطيته غير ذلك المنديل ، فشرب وقال : بارك الله عليك ، فما أطيب شرابك وأنظفك ! فما كان رأيي أن أشرب أكثر من ثلاثة ، فلما رأيت نظافتك دعتني إلى شرب آخر فهاته ، فناولته إياه على تلك السبيل ، ثم قال : لولا أسباب تمنع من بيتك لكان حبيبا إلى أن أجلس فيه بقية يومي هذا .

وولى راجعا في الطريق الذي بدا منه ، وقال : اعذرنا ، ورمى إلي أحد الرجلين اللذين كانا معه بشيء فنظرت فإذا صرة فيها خمس مائة دينار ، وإذا هو الوليد بن يزيد أقبل من دمشق حتى شرب من شراب الحيرة وانصرف .

قال القاضي : أخبار الوليد بن يزيد كثيرة ، وقد ذكرها الإخباريون مجموعة ومفرقة ، ومعظمها يأتي متفرقا في مجالس كتابنا هذا .

وكنت جمعت شيئا منها فيه ، من سيره وآثاره ومن شعره الذي ضمنه ما فجر به من خرقه وسفاهته ، وحمقه وخسارته ، وهزله ومجونه ، وركاكته وسخافة دينه ، وما صرح به من الإلحاد في القرآن ، والكفر وباطله ممن أنزله وأنزل عليه ، وعارضت شعره السخيف بشعر حصيف ، وباطله بحق نبيه شريف ، وأتيت في هذا بما توخيت به رضا الله تعالى ، واستيجاب مغفرته .

التالي السابق


الخدمات العلمية