أبو الأحوص ولاية مصر كيف تولى
حدثنا محمد بن الحسن بن زياد المقري ، قال : أخبرنا محمد بن إسحاق السراج بنيسابور ، قال : أخبرنا عن داود بن رشيد ، قال : الهيثم بن عدي ،
وجه المهدي أمير المؤمنين إلى أبي الأحوص فأقدم عليه ليوليه مصر وأعمالها ، قال : فلما حضر عرض عليه ذلك فامتنع منه امتناعا شديدا ، فاغتاظ من ذلك المهدي فهم بضرب عنقه ، وكان بحضرة المهدي محمد بن داود جليس خير ، فقال له : يا أمير المؤمنين ! تمهل عليه ثلاثة أيام ، ففعل وأمره بالانصراف ، فلما خرج من عنده اشتد غيظه وقال : أما ترى إلى هذا الشيخ ، قد لبس خفا أحمر وخفا أسود ليوهم أنه مضطرب العقل ! فقال له محمد بن داود الجليس الصالح : لا تقل ذلك ، لعل الشيخ أخرج إليه ما يلبسه في الظلمة فلم يعلم ، فسكن .
ومضى محمد بن داود إلى الشيخ أبي الأحوص فألفاه متشكيا يبكي ، فقال له : ما شأنك ؟ فقال : إنه خرج لي من الظلمة خف أحمر وخف أسود ، فلبستها ولم أعلم ، فلما خرجت من عند أمير المؤمنين جعل الصبيان يصيحون ويضحكون ، فلما تبينت ذلك نزعت الخفين ومشيت حافيا فلحقني وجع عظيم في رجلي ، فقال له محمد بن داود : إن أمير المؤمنين وقع له غير هذا فثنيته عما كان وقع له ، فإذا حضرت عنده فإياك أن تأبى أو تمتنع ، فمضى إلى المهدي فعرفه ذلك فسكن غضبه ، واشتد حرصه على تقليد أبي الأحوص .
فلما حضر بين يديه في اليوم الرابع دعا بسفط فأخرج منه كتابا فيه عهده على مصر وأعمالها ، ثم دفع إليه كتابا ثانيا إلى صاحب الشرطة يأمره بالحضور مجلسه وألا يخليه ، ثم دفع إليه كتابا ثالثا ، فقال : هذا تبيين برزقك على العامل ، وهو ألف دينار في كل شهر ، ومائتا دينار للمائدة ، ثم دعا بسفط آخر فأخرج منه ثيابا وطيبا فدفعه إليه ، وأمر له بثلثمائة دينار للنفقة ، ثم قال له : الرزق تأخذه معجلا هنيا تستعين به ، وللمائدة مائتا دينار وكل الطيب لتقوي به نفسك ، ولا تمل إلى شيء بتة ، لأن نفسك غنية بالرزق ، وهذه الثلثمائة دينار تستعين بها على نفقة الطريق ، فلا تعترضن من أحد شيئا فتستحش منه ، وهذه الثياب والطيب تكون معك ، فإن - وعائذ بالله تعالى - حدث حادث عليك كان هذا معدا ، فانظر لنفسك وأعزها فقد أعززناك وأمددناك ، وفقك الله تعالى للصواب .
فخرج أبو الأحوص إلى مصر فحكم بها سنين كثيرة فحسن أثره وحمد أمره .