الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كيف تولى أبو الأحوص ولاية مصر  

حدثنا محمد بن الحسن بن زياد المقري ، قال : أخبرنا محمد بن إسحاق السراج بنيسابور ، قال : أخبرنا داود بن رشيد ، عن الهيثم بن عدي ، قال :

وجه المهدي أمير المؤمنين إلى أبي الأحوص فأقدم عليه ليوليه مصر وأعمالها ، قال : فلما حضر عرض عليه ذلك فامتنع منه امتناعا شديدا ، فاغتاظ من ذلك المهدي فهم بضرب عنقه ، وكان بحضرة المهدي محمد بن داود جليس خير ، فقال له : يا أمير المؤمنين ! تمهل عليه ثلاثة أيام ، ففعل وأمره بالانصراف ، فلما خرج من عنده اشتد غيظه وقال : أما ترى إلى هذا الشيخ ، قد لبس خفا أحمر وخفا أسود ليوهم أنه مضطرب العقل ! فقال له محمد بن داود الجليس الصالح : لا تقل ذلك ، لعل الشيخ أخرج إليه ما يلبسه في الظلمة فلم يعلم ، فسكن .

ومضى محمد بن داود إلى الشيخ أبي الأحوص فألفاه متشكيا يبكي ، فقال له : ما شأنك ؟ فقال : إنه خرج لي من الظلمة خف أحمر وخف أسود ، فلبستها ولم أعلم ، فلما خرجت من عند أمير المؤمنين جعل الصبيان يصيحون ويضحكون ، فلما تبينت ذلك نزعت الخفين ومشيت حافيا فلحقني وجع عظيم في رجلي ، فقال له محمد بن داود : إن أمير المؤمنين وقع له غير هذا فثنيته عما كان وقع له ، فإذا حضرت عنده فإياك أن تأبى أو تمتنع ، فمضى إلى المهدي فعرفه ذلك فسكن غضبه ، واشتد حرصه على تقليد أبي الأحوص .

فلما حضر بين يديه في اليوم الرابع دعا بسفط فأخرج منه كتابا فيه عهده على مصر وأعمالها ، ثم دفع إليه كتابا ثانيا إلى صاحب الشرطة يأمره بالحضور مجلسه وألا يخليه ، ثم دفع إليه كتابا ثالثا ، فقال : هذا تبيين برزقك على العامل ، وهو ألف دينار في كل شهر ، ومائتا دينار للمائدة ، ثم دعا بسفط آخر فأخرج منه ثيابا وطيبا فدفعه إليه ، وأمر له بثلثمائة دينار للنفقة ، ثم قال له : الرزق تأخذه معجلا هنيا تستعين به ، وللمائدة مائتا دينار وكل الطيب لتقوي به نفسك ، ولا تمل إلى شيء بتة ، لأن نفسك غنية بالرزق ، وهذه الثلثمائة دينار تستعين بها على نفقة الطريق ، فلا تعترضن من أحد شيئا فتستحش منه ، وهذه الثياب والطيب تكون معك ، فإن - وعائذ بالله تعالى - حدث حادث عليك كان هذا معدا ، فانظر لنفسك وأعزها فقد أعززناك وأمددناك ، وفقك الله تعالى للصواب .

فخرج أبو الأحوص إلى مصر فحكم بها سنين كثيرة فحسن أثره وحمد أمره .

التالي السابق


الخدمات العلمية