الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المجلس الثامن والأربعون

خبر بني أبيرق

حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد ، سنة ثماني عشرة وثلثمائة ، قال : حدثنا أبو مسلم الحسن بن أحمد الحراني ببغداد سنة ثمان وأربعين ومائتين ، قال : حدثنا محمد بن سلمة الحراني ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر ، عن قتادة ، عن أبيه ، عن جده قتادة بن النعمان ، قال : كان أهل بيت منا يقال لهم " بنو أبيرق " : بشر وبشير ومبشر ، وكان بشير رجلا منافقا ، وكان يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ينحله بعض العرب ، ثم يقول : قال فلان كذا وقال فلان كذا ، فإذا سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر ، قالوا : والله ما يقول هذا الشعر إلا الخبيث ، فقال :

[ ص: 356 ]

أوكلما قال الرجال قصيدة أصموا وقالوا ابن الأبيرق قالها ؟

وكانوا أهل بيت فاقة وحاجة في الجاهلية والإسلام ، وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير ، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة من الشام ، ابتاع الرجل منها فخص به نفسه ، فأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير ، فقدمت ضافطة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملا من الدرمك فجعله في مشربة له ، وفي المشربة سلاح له درعان وسيفاهما وما يصلحهما ، فعدي عليه من تحت الليل فنقبت المشربة فأخذ الطعام والسلاح ،
 فأتى عمي رفاعة ، فقال : ابن أخ ! أتعلم أنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه ، فنقبت مشربتنا فذهب بطعامنا وشرابنا وسلاحنا ، قال : فتحسسنا في الدار وسألنا ، فقيل لنا : قد رأينا بني أبيرق استوقروا في هذه الليلة ، ولا نرى فيما نراه إلا بعض طعامكم ، قال : وقد كان بنو أبيرق - قالوا ونحن نسأل في الدار : والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل - رجل منا له صلاح وإسلام - فلما سمع ذلك لبيد اخترط سيفه وقال : أبني أبيرق ! والله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبن هذه السرقة ، قالوا : إليك عنا أيها الرجل ، فوالله ما أنت بصاحبها ، فسألنا في الدار ، حتى لم نشك أنهم أصحابنا ، فقال : لي عمي : يا ابن أخي لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك ، قال : قتادة : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقلت له : يا رسول الله ! إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له وأخذوا سلاحه وطعامه ، فليردوا سلاحنا فأما الطعام فلا حاجة لنا به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سأنظر في ذلك ، فلما سمع ذلك بنو أبيرق أتوا رجلا منهم ، يقال له : أسيد بن عروة فكلموه في ذلك ، واجتمع إليه قوم من أهل الدار فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : إن قتادة بن النعمان وعمه عمدوا إلى بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة على غير بينة ولا تثبت ، قال قتادة : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته ، فقال : عمدت إلى أهل بيت ذكر فيه إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير تثبت ولا بينة ، قال : فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فأتى عمي رفاعة ، فقال يا ابن أخ ! ما صنعت ؟ فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : الله المستعان ، فلم يلبث أن نزل القرآن إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما - أي بني أبيرق - وأنت ، واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما - أي مما قلت لقتادة - ، ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم - أي بني بيرق - إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا ، ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما [ ص: 357 ] - أي أنهم لو استغفروا الله غفر لهم - ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما إلى : ومن يشاقق الرسول فلما نزل القرآن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرده إلى رفاعة ، قال : قتادة : فلما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخا قد عمي في الجاهلية وكنت أرى إسلامه مدخولا ، فلما أتيته بالسلاح ، قال : يا ابن أخي ! هو في سبيل الله ، قال : فعرفت أن إسلامه كان صحيحا ، فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين ونزل على سلافة بنت سعد بن شهيد ، فأنزل الله تعالى فيه : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا إن الله لا يغفر أن يشرك به إلى آخر الآية ، فلما نزل على سلافة رماها حسان بأبيات من شعر ، فأخذت رحله فوضعته على رأسها ثم خرجت به فرمته في الأبطح ، ثم قالت : أهديت إلى شعر حسان ، ما كنت تأتيني بخير . قالت : أهديت إلى شعر حسان ، ما كنت تأتيني بخير .


معنى الضافطة ، والدرمك  

قال القاضي : قول الراوي في هذا الخبر : ضافطة أراد عيرا أو رفقة فيها ميرة ، وقوله : الدرمك يريد النقي ، ومنه الخبر : " إن الأرض بعد البعث درمكة بيضاء " ، قال : أعشى بني قيس بن ثعلبة :


له درمك في رأسه ومشارب     وقدر وخباز وصاع وديسق

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : في تربة الجنة : إنها الخبز من الدرمك .

وقال ابن الأنباري : الدرمك خبز الحوارى ، وأنشد :


ذهب الذين إذا استجعت فزرتهم     خبزوا الفؤاد بدرمك وشراب

التالي السابق


الخدمات العلمية