حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم الحكيمي ، قال : أنبأنا قال : أنشدت أحمد بن أبي خيثمة ، لسعيد بن سليمان المساحقي القاضي ، في هارون بن زكريا كاتب العباس بن محمد :
أزورك رفها كل يوم وليلة ودرك مخزون علي قصير لأي زمان أرتجيك وخلة
إذا أنت لم تنفع وأنت وزير فإن الفتى ذا اللب يطلب ماله
وفي وجهه للطالبين بشير
قال القاضي قوله : أزورك رفها ، يعني كل يوم من غير إغباب ، وقد أبان ذلك بقوله : كل يوم وليلة ، وهو مأخوذ من قولهم في الإبل : هي ترد الماء رفها ، إذا اتصل وردها ، ثم يقال في إظمائها غب وربع وخمس إلى عشر ، وهو أقصى الإظماء ، وكنت بحضرة بعض [ ص: 367 ] المجدودين يوما ممن حكمه زمان السوء فينا ، وجار ببسط يده وقبض أيدينا ، وأشاع له في عامة الناس وعشرائهم ، وأغمارهم وغوغائهم ، أنه أوحد دهره ، وقريع عصره ، علما وذكاء ، وأدبا ومضاء ، فتمثل ببيت البحتري من كلمته السينية التي يصف فيها إيوان كسرى ، وهي من جيد شعره وحسنه ، وأولها :
صنت نفسي عما يدنس نفسي وترفعت عن جدا كل جبس
وبعيد ما بين وارد خمس علل شربه ووارد سدس
فقال : لا ، وهو على ما رويته ، فقلت له : وأي بعد بين الخمس والسدس ؟ هو تاليه المتصل به الذي يليه ، وبين الرفه وبين الخمس وما دونه بعد ظاهر ، وفضل حائل ، فلم يبن لي منه رجوع ، وقد كان كثيرا ، ما يرجع في أشياء كثيرة إلي ، ويرجع عنها عند توقيفي إياه وتثبيتي له .