الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أضمر الملك لنا شرا

حدثنا أحمد بن كامل ، قال : حدثني محمد بن موسى بن حماد القيسي ، قال : حدثنا محمد بن أبي السري ، قال هشام بن محمد بن السائب الكلبي ، عن أبيه قال : خرج كسرى في بعض أيامه للصيد ومعه أصحابه ، فعن له صيد فتبعه حتى انقطع عن أصحابه وأظلته سحابة فأمطرت مطرا حال بين أصحابه وبين اللحوق به فمضى لا يدري أين يقصد ، فرفع له كوخ فقصده فإذا عجوز بباب الكوخ وأدخل فرسه وأقبل الليل فإذا ابنة العجوز قد جاءت معها بقرة قد رعتها بالنهار ، فأدخلتها الكوخ وكسرى ينظر ، فقامت العجوز إلى البقرة ومعها آنية فاحتلبت البقرة لبنا صالحا وكسرى ينظر ، قال : فقال في نفسه : ينبغي أن يجعل على كل بقرة إتاوة ، فهذا حلاب كثير وأقام بمكانه ، فلما مضى أكثر الليل ، قالت العجوز : يا فلانة ! قومي إلى فلانة فاحتلبيها ، فقامت إلى البقرة فوجدتها حائلا لا لبن فيها ، فنادت أمها : يا أمتاه قد والله أضمر لنا الملك شرا ، قالت : وما ذاك ؟ قالت : هذه فلانة حائل ما تبس بقطرة ، قال : فقالت لها أمها : امكثي عنها قليلا ، قال : فقال [ ص: 398 ] كسرى في نفسه : من أين علمت ما أضمرت في نفسي ؟ أما إني لا أفعل ذلك ، قال : فمكثت ثم نادتها ، يا بنية ! قومي إلى فلانة ، قال : فقامت إليها فوجدتها جافلا ، فنادت أمها : يا أمتاه ! قد والله ذهب ما كان في نفس الملك من الشر هذه فلانة جافل فاحتلبتها ، وأقبل الصبح وتتبع الرجال إثر كسرى حتى أتوه ، فركب وأمر بحمل العجوز وابنتها إليه فحملتا ، فأحسن إليهما ، وقال : كيف علمت أن الملك قد أضمر شرا ، وأن الشر الذي أضمره قد عدل عنه ، قالت العجوز : أنا بهذا المكان من كذا وكذا ما عمل فينا بعدل إلا خصب بلدنا واتسع عيشنا ، وما عمل فينا بجور إلا ضاق عيشنا وانقطعت مواد النفع عنا .  

قال القاضي : قول المرأة في هذا الخبر فلانة يعني البقرة ،  قال كثير من أهل اللغة : إنما يقال فلانة في المرأة ، فأما ما عداها من البهائم وغيرها فوجه الكلام أن يقال : الفلانة ، والوجه الآخر عندي غير مستنكر ، إذ قد كانوا يخصون كل واحد منه التلقيب والتسمية .

التالي السابق


الخدمات العلمية