قال القاضي أبو الفرج وأبعث فيه من جهة الأعراب ثلاثة أوجه : الجزم على العطف إلا أنه لا يستعمل في هذا الموضع لإقامة وزن البيت ، والرفع على الاستئناف ، والنصب بإضمار أن والتقدير : يكون مني هيج فأبعث ، فلا يعطف أبعث على هيج لأن هيج مصدر وأبعث فعل فتقدر أن إذ هي والفعل مصدر ، فيصح حينئذ عطف الثاني على الأول لأنه عطف اسم على اسم ، ويسمي الكوفيون هذا الوجه الصرف لأنه صرف عن الجزم؛ وقد جاء هذا كثيرا في القرآن والشعر؛ قال الله تعالى : إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم فجزم الثاني على العطف . قال تعالى : وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء فقرئ فيغفر ويعذب جزما ورفعا ونصبا ، وقرأ القرأة : أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير ويعلم الذين بالرفع والنصب في يعلم . وقرئ : ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين على النصب والجزم . وقولهم لا تأكل السمك وتشرب اللبن بالنصب إذ أريد به النهي عن الجمع بينهما دون الإفراد ، وإن أريد النهي عن كل واحد منهما فالجزم هو الكلام . وقد أتى كثير من هذا في الشعر ، قال الشاعر :
فإن لم أصدق ظنكم بتيقن فلا سقت الأوصال مني الرواعد ويعلم أكفائي من الناس أنني
أنا الحافظ الحامي الذمار المداود
ومن يغترب عن قومه لا يزل يرى مصارع مظلوم مجرا ومسحبا
وتدفن منه الصالحات وإن يسئ يكن ما أساء النار في رأس كبكبا
فإن يهلك أبو قابوس يهلك ربيع الناس والبلد الحرام
ونمسك بعده بذناب عيش أجب الظهر ليس له سنام
وأقول مستعينا بالله : إن بيت من النوع الذي يسميه العروضيون الوافر وهو أول أنواعه عند جمهورهم ، وإذا روي بالرفع والنصب فلا زحاف فيه ، ويسمى سالما لسلامته من الزحاف ، وإذا روي بالجزم سكنت لام مفاعلتن فصار مفاعلتن فنقلت إلى مفاعيلن ويسمى معصوبا . وبيت النابغة يروى على وجهين : أجب الظهر بالإضافة ، ويصرف أجب فيكسر لإضافته ، ويروى أجب الظهر فيفتح وهو في موضع جر إذ هو صفة لعيش أو دهر لأنه لا ينصرف والتنوين مقدر في أصله . ومن هذا الباب زيد حسن [ ص: 425 ] الوجه . قال النابغة زهير :
أهوى لها أسفع الخدين مطرق ريش القوادم لم ينصب له الشرك
فما قومي بثعلبة بن سعد ولا بفزارة الشعر الرقابا
من ولي أو أخي ثقة والبعيد الشاحط الدارا