الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الأصمعي يعادي ابن الأحنف

 حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، قال: قال لي أبو العباس محمد بن يزيد المبرد الثمالي: كان الأصمعي يعادي عباس بن الأحنف، فقال عباس يوما وهو بين يدي الرشيد والأصمعي بالحضرة:


إذا أحببت أن تع مل شيئا يعجب الناسا     فصور ها هنا فوزا
وصور ثم عباسا     ودع بينهما فترا
فإن زدت فلا باسا     فإن لم يدنوا حتى
ترى رأسيهما راسا     فكذبها بما قاست
وكذبه بما قاسا

فقال الرشيد: ما رأيت معنى أحسن من هذا. فقال الأصمعي: قد سبقه إلى هذا المعنى رجل من العرب ورجل من النبط، فقال: ما قال العربي؟ قال: كان رجل يقال له عمر يحب جارية يقال لها قمر، فقال:


إذا أحببت أن تب     صر شيئا يعجب البشرا
فصور ها هنا قمرا     وصور ها هنا عمرا
فإن لم يدنوا حتى     ترى بشريهما بشرا
فكذبها بما ذكرت     وكذبه بما ذكرا

قال الرشيد: فما قال النبطي؟ قال: كان رجل يقال له زورا يحب جارية يقال لها [ ص: 74 ] فلقا، فقال:


إذا أحببت أن تع     مل شيئا يعجب الخلقا
وتسمع صوت معشو     قين لاقى في الهوى ربقا
فصور ها هنا زورا     وصور ها هنا فلقا
فإن لم يدنوا حتى     ترى خلقيهما خلقا
فكذبها بما لاقت     وكذبه بما يلقى



تعليق نحوي

قال القاضي: هكذا رواه لنا الكوكبي. فصور ها هنا فوزا بالصرف، وترك الصرف أعلى، وكان الزجاج لا يجيز صرف شيء من الأسماء المؤنثة إلا في ضرورة الشعر،  وكان جميع من تقدم من النحاة يجيز في مثل هند ودعد، وما كان وسطه من أسماء المؤنث ساكنا ويختارون ترك الصرف في غير الشعر.

وقوله: حتى ترى رأسيهما رأسا، ثنى الرأس في اللفظ، والفصيح فيه وفيما كان في الجسد منه واحد أن يؤتى به على لفظ الجميع في تثنيته وجمع، قال الله تعالى: فقد صغت قلوبكما واللغة الأخرى معروفة ويبين ذلك قول أبي ذؤيب:


فتخالسا نفسيهما بنوافذ     كنوافذ العبط التي لا ترقع

ويروى العبط وهو جمع عبيط، يقال: اعتبط الرجل إذا هلك شابا، واعتبط البعير إذا نحر فتيا، قال أمية بن أبي الصلت:


من لم يمت عبطة يمت هرما     للموت كأس والمرء ذائقها

والدم العبيط: الطري، ويروى كنوافذ العطب وهو جمع عطبة، وهي القطعة من القطن، مثل غرفة وغرف وحجرة وحجر.

أنشدنا ابن دريد، قال: أنشدني أبو حاتم، عن أبي عبيدة:


لي صاحب ليس يخلو     لسانه عن جراحي
يجيد تمزيق عرضي     على طريق المزاح

التالي السابق


الخدمات العلمية