الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أحسن بيت في وصف الثريا

ثم قال : أتدرون أحسن بيت وصفت به الثريا؟ قلنا بيت ابن الزبير :


وقد لاح في الجو الثريا كأنه به راية بيضاء تخفق للطعن

فقال : أريد أحسن من هذا ، قلنا : بيت امرئ القيس :


إذا ما الثريا في السماء تعرضت     تعرض أثناء الوشاح المفصل

قال : أريد أحسن من هذا ، قلنا : بيت ابن الطثرية :


إذا ما الثريا في السماء كأنها     جمان وهي من سلكه فتسرعا

قال : أريد أحسن من هذا؛ قلنا قول ذي الرمة :


وردت اعتسافا والثريا كأنها     على قمة الرأس ابن ماء محلق
يدف على آثارها دبرانها     فلا هو مسبوق ولا هو يلحق
بعشرين من صغري النجوم كأنها     وإياه في الجرباء لو كان ينطق
قلاص حداها راكب متعمم     هجائن قد كادت عليه تفرق

قال : أريد أحسن من هذا؛ قلنا : ما عندنا شيء ، قال بيت أبي قيس ابن الأسلت :


وقد لاح في الجو الثريا لمن رأى     كعنقود ملاحية حين نورا

  [ ص: 512 ] تعليقات للقاضي على ما تقدم

قال القاضي : قول حاتم : البيت الظليم أراد : المظلم ، ومفعل قد ينصرف إلى فعيل ، ومن ذلك عذاب أليم أي مؤلم ، قال الله تبارك وتعالى : والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم ومن هذا قول الشاعر :


ونرفع من صدور شمردلات     يصك وجوهها وهج أليم

ومنه سميع بمعنى مسمع ، قال الشاعر :


أمن ريحانة الداعي السميع     يؤرقني وأصحابي هجوع

أراد المسمع . وقد يقال سميع بمعنى سامع ، ويأتي على فعيل للمبالغة مثل راحم ورحيم ، وحافظ وحفيظ ، وعالم وعليم ، وقادر وقدير ، وناصر ونصير ، في نظائر لهذا كثيرة جدا . وقول ذي الرمة فلأيا قيامها أي بطيء؛ وقال زهير :


وقفت بها من بعد عشرين حجة     فلأيا عرفت الدار بعد توهم

وقول أبي قيس : " ويكرمنها جاراتها " هكذا روي لنا على لغة من يأتي بعلامة الجمع مع تقدم الفعل وفراغه من الضمير ، كما قال الشاعر :


ولكن ديافي أبوه وأمه     بحوران يعصرن السليط أقاربه

الأفصح ويكرمها وقد مضى في بعض ما تقدم من مجالسنا هذه قول لنا في هذا المعنى وتفريق بين علامة التثنية والجمع في العلاقة ، وبين علامة التأنيث ، ويستغنى به عن إعادته في هذا الموضع . وقول أبي قيس بن الأسلت " كعنقود ملاحية " روي لنا في هذا الخبر ملاحية بتشديد اللام ، ولغة العرب الفصيحة السائرة ملاحية يقولون عنب ملاحي ، ورواة الحديث والأخبار الذين لا علم لهم بكلام العرب يغلطون في هذا كثيرا وفي ما أشبهه ، وأرى أن الذي أوقعهم في هذا أنهم لما رأوا هذا البيت رأوا ظهور الزحاف فيه إذا روي مخففا على الوجه الصحيح وسلامته من ذلك إذا شدد ، ثم لم يعلموا جواز الزحاف واطراده وظهور استعماله وأن أكثر الشعر مزاحف ، وما لا زحاف فيه قليل نزر جدا؛ وهذا البيت من الطويل والزحاف فيه ذهاب ياء مفاعيلن ورده إلى مفاعلن ، ويسمى هذا النوع من الزحاف قبضا لذهاب خامس حروف الجزء ، ويسمى الجزء الذي لحقه هذا الزحاف مقبوضا ، وقد يسقطون نون مفاعيلن على معاقبة القبض فيه وهو ذهاب الياء ولا يجتمعان في السقوط ، ويسمى هذا الزحاف الكف لذهاب السابع من حروف جزئه ، ويسمى الجزء مكفوفا .

التالي السابق


الخدمات العلمية