الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أخ يعشق زوجة أخيه وهما من بني كنة

حدثنا محمد بن مخلد بن حفص العطار قال حدثنا إبراهيم بن راشد بن سليمان الأدمي قال حدثنا عبد الله بن عثمان الثقفي قال حدثنا المفضل بن فضالة مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني قال : كان في الجاهلية أخوان من حي يدعون بني كنة ، أحدهما متزوج والآخر عزب ، فقضى أن المتزوج خرج في بعض ما يخرج الناس فيه ، وبقي الآخر مع امرأة أخيه ، فخرجت ذات يوم حاسرة فإذا أحسن الناس وجها وأحسن الناس ثغرا ، فلما علمت أن قد رآها ولولت وصاحت وقالت بمعصمها فغطت وجهها قال القاضي : المعصم موضع السوار فزاده ذلك فتنة ، فحمل الشوق على بدنه حتى لم يبق إلا رأسه وعيناه تدوران في رأسه ، وقدم الأخ فقال : يا أخي ما الذي أرى بك؟ فاعتل عليه فقال : الشوثة قال : الشوصة يسميها العرب اللوي وذات الجنب فقال له ابن عم له : لا تكذبنه ، ابعث إلى الحارث بن كلدة فإنه من أطب العرب ، فجيء به فلمس عروقه فإذا ساكنها ساكن وضاربها ضارب ، فقال : ما بأخيك إلا العشق ، فقال : سبحان الله تقول هذا لرجل ميت ، قال : هو ذاك ، عندكم شيء من شراب؟ فجيء به ودعا بمسعط فصب فيه وحل صرة من صراره فذر فيه ثم سقاه ، ثم سقاه الثانية ثم سقاه الثالثة ، فانتشى يغني سكرا فقال :


تهيد ما تهيج ويذكر أيها القلب الحزين ما يكوننه

[ ص: 546 ]

ألما بي على الأبيا     ت من خيف أزرهنه
غزالا ما رأيت الي     وم في دور بني كنه
غزال أحور العين     وفي منطقه غنه

قال القاضي : البيت الأول من هذه الأبيات مضطرب ، وأرى بعض من رواه كسره وأخل بنيانه ونظمه لأنه لم يكن له علم بوزن الشعر فقال الرجل : هذه دور بني كنه فليت شعري من؟ فقال الحارث : ليس فيه مستمتع غير هذا اليوم ، ولكن أغدو عليكم من الغد ففعل كفعله بالأمس ، فانتشى يغني سكرا واسم امرأة أخيه ريا فقال :


أيها الجيرة اسلموا     كي تحيوا وتكرموا
خرجت مزنة من البح     ر ريا تحمحم
هي ما كنتي وتز     عم أني لها حمو

فقال الرجل لمن حضره : أشهدكم أنها طالق ثلاثا ليرجع إلى أخي فؤاده ، فإن المرأة توجد والأخ لا يوجد ، فجاء الناس يسعون ويقولون : هنيئا لك يا أبا فلان ، فإن فلانا قد نزل لك عن فلانة ، فقال لمن حضر : أشهدكم أنها علي مثل أمي إن تزوجتها ، قال عبد الله بن عثمان ، قال المفضل قال ابن سيرين قال عبيدة السلماني : ما أدري أي الرجلين أكرم : الأول أم الآخر
  .

خبر الأخوين من بني كنة برواية أخرى

قال القاضي : قد روي هذا الخبر من غير هذه الطريق وفي بعض ألفاظه اختلاف ، فرأيت تكرار جملته لتكمل الفائدة ، ولا يفوت منه شيء ، وما يتكرر من اقتصاصه لا ضرر فيه : حدثنا أبي رضي الله عنه قال ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن سهل الرازي قال حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال ، حدثني عمي محمد بن سعيد ، قال حدثنا عبد الملك بن عمير قال : كان أخوان من ثقيف من بني كنة بينهما من التبار والتحاب شيء لا يعلمه إلا الله ، كل واحد منهما أخوه عند رأسه ، وإن الأكبر خرج إلى سفر وله امرأة ، فأوصى أخاه بحاجة أهله ، فبينا المقيم في دار الظاعن إذ مرت امرأة أخيه ، وكانت من أجمل البشر ، تجوز من بيت إلى بيت ، فرآها فرأى شيئا مختلفا ، فلما رأته ولولت ووضعت يدها على رأسها ودخلت بيتا ، فوقع حبها في قلبه ، فجعل يذوب وينحل جسمه وتغير لونه ، وقدم أخوه وقال : يا أخي ما لي أراك هكذا؟ وما وجعك؟ قال : ما بي وجع ، فدعا الأطباء فلم يقع أحد على دائه ، حتى أتي الحارث بن كلدة وكان طبيبا فقال : أرى عينين صحيحتين وما أدري ما هذا الوجع ، وما أظنه إلا عاشقا ، فقال أخوه : سبحان الله ، أسألك عن وجع أخي وأنت تستهزئ بي؟! قال : ما فعلت ، وسأسقيه شرابا عندي ، فإن [ ص: 547 ] كان عاشقا فسيستبين لكم ، فأتى بشراب فجعل يسقيه قليلا قليلا كما يزق الفرخ ، فلما أخذ الشراب منه تهيج فتكلم فقال :


ألما بي على الأبيا     ت بالخيف أزرهنه
عزالا ما رأيت الي     وم في دور بني كنه
أسيل الخد مربوب     وفي منطقه غنه

فقال : أنت أطب العرب ، فمن؟ قال : سأعيد الشراب فلعله يسمي فأعاد له بالشراب فقال :


أيها الجيرة أسلموا     وأربعوا كي تكلموا
وتقضى لبانة     وتحيوا فتغنموا
خرجت مزنة من البح     ر ريا تحمحم
هي ما كنتي وتز     عم أني لها حمو

قال : فطلق أخوه امرأته ، فقال له المريض : علي كذا وكذا إن تزوجتها أبدا فماتا ولم يتزوجا .

التالي السابق


الخدمات العلمية