عمر بن هبيرة يلجأ إلى يزيد بن المهلب ليحمل عنه غرما
حدثنا أبو النضر العقيلي قال حدثنا أبو إسحاق طلحة بن محمد الطلحي النديم قال حدثنا أحمد بن معاوية قال ، وقال عبد الله بن الكوفي : أغرم سليمان بن عبد الملك [ ص: 580 ] عمر بن هبيرة من غزاته في البحر ألف ألف درهم ، فمشى إلى يزيد بن المهلب وقد ولي العراق بعثمان بن حيان المري والقعقاع ابن خالد العبسي والهذيل بن زفر بن الحارث الكلابي وغيرهم من قيس ، فلما انتهوا إلى باب سرادق يزيد أذن لهم الحاجب في دخوله ، وأعلمهم أنه يغسل رأسه ، فلما فرغ خرج في سبنية فألقى نفسه على فرشه ثم قال : ما ألف بينكم؟ فقال عثمان : هذا ابن هبيرة شيخنا وسيدنا ، كان الوليد حمل معه مالا حيث وجهه إلى البحر ، فأعطاه جنده ، فخرج عليه من غرمه ألف ألف درهم ، فقلنا : يزيد سيد أهل اليمن ووزير لسليمان وصاحب العراق ومن قد تحمل أمثالها عمن ليس مثلنا ، ووالله لو وسعتها أموال قيس لاحتملناها . ثم تكلم القعقاع فقال : يا ابن المهلب هذا خير ساقه الله إليك ، وليس أحد أولى به منك ، فافعل به كبعض فعلاتك الأول ، فلن يصدك عن قضاء هذا الحق ضيق ولا بخل ، وقد أتيناك مع ابن هبيرة فيما حمل ، فهب لنا أموالنا واستر في العرب عورتنا . ثم تكلم الهذيل بن زفر فقال : يا ابن المهلب ، إني لو وجدت من الممشى إليك بدا لما مشيت إليك ، لأن أموالك بالعراق ، وإنما أتيتنا خائفا ، ثم أقمت فينا ضيفا ، ثم تخرج من عندنا محروبا . وايم الله لئن تركناك بالشام لنأتينك بالعراق ، وما ها هنا أقرب في الحظوة وأوجب للذمام . ثم تكلم ابن خيثمة فقال : إني لا أقول لك يا ابن المهلب ما قال هؤلاء ، أخبرني إن أنت عجزت عن احتمال ما على ابن هبيرة فعلى من المعول ، لا والله ما عند قيس له فكاك ، ولا في أموالهم متسع ، ولا عند الخليفة له فرج . ثم تكلم ابن هبيرة فقال : أما أنا فقد قضيت حاجتي رددت أم أنجحت لأنه ليس لي أمامك متقدم ولا خلفك متأخر ، وهذه حاجة كانت في نفسي فقضيتها . فضحك يزيد بن المهلب وقال : إن التعذر أخو البخل ، ولا أعتذر ، فاحتكموا ، فقال القعقاع : نصف المال ، فقال يزيد : قد فعلت ، أرنا يا غلام غداءك ، قال : فجيء بالطعام فأنكرنا منه أكثر مما عرفنا ، فلما فرغنا أمر بتطييبنا وحملاننا وإجادة الكسوة لنا ، قال : ثم خرجنا ، حتى إذا مررنا قال ابن هبيرة : أخبروني عما بقي من يحمله بعد ابن المهلب ؟ لقد صغر الله أقداركم وأخطاركم ، والله ما يدري يزيد ما بين النصف والتمام ، وما هما عنده إلا سواء ، ارجعوا إليه فكلموه في الباقي ، قال : وقد كان يزيد ظن بهم أن سيرجعون إليه في التمام ، فقال للحاجب : إذا عادوا فأدخلهم ، فلما عادوا أدخلهم ، فقال لهم يزيد : إن ندمتم أقلناكم ، وإن استقللتم زدناكم ، فقال له ابن هبيرة : يا ابن المهلب ، إن البعير إذا أوقر أثقلته أذناه وأنا بما بقي مثقل ، فقال : قد حملتها عنك ، ثم ركب إلى سليمان فقال : يا أمير المؤمنين إنك إنما رشحتني لتبلغ بي وإني لا أضيق عن شيء اتسع له مالك ، وما في أيدينا عوار لك تصطنع بها الناس وتبتني بها المكارم ، ولولا مكانك ظلعنا بالصغير . ثم قال : إنه أتاني ابن هبيرة في وجوه أصحابه ، فقال له سليمان : أمسك أتاك في مال الله عنده ، خب [ ص: 581 ] ضب ، جموع منوع، خدوع هلوع ، هيه فصنعت ماذا؟ قال : حملتها عنه ، قال : احملها إذا إلى بيت مال المسلمين ، قال : والله ما حملتها خدعة وأنا حاملها بالغداة ، ثم حملها فلما أخبر سليمان بذلك دعا يزيد فلما رآه ضحك وقال : ذكت بك ناري ، ووريت بك زنادي ، غرمها علي وحمدها لك ، قد وفت لي يميني فأرجع المال إليك ، ففعل .


