الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وريث ابن راعي الإبل

حدثنا محمد بن الحسن بن جريد قال: أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: قدم الراعي على خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد ومعه ابن له، فمات ابنه بالمدينة، فلما دخل على خالد سأله عنه فقال: مات بعدما زوجته وأصدقت عنه، فأمر له بدية ابنه وصداقه، فقال الراعي:


وديت ابن راعي الإبل إذ حان يومه وشق له قبرا بأرضك لاحد     وقد كان مات الجود حتى نشرته
وأذكيت نار الجود والجود خامد     فلا حملت أنثى ولا آب آيب
ولا بل ذو سقم إذا مات خالد



قال القاضي: قول الراعي " وديت ابن راعي الإبل ":  أراد أديت ديته، يقال: وديت القتيل إذا أديت ديته إلى أهله، ووديت عنه من مالك دية جنايته، وقيل إن هذا مما عابى به الكسائي محمد بن الحسن فلم يعرف الفرق بينهما.

وأما قوله " وشق له قبرا بأرضك لاحد "  فإن وجه الكلام في هذا أن يقال: شق شاق ولحد لاحد، ويقال: ألحد ملحد، وذلك أن الشق ما كان من الحفر في وسط القبر، واللحد ما كان في جانبه. بين هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " اللحد لنا والشق لغيرنا   ". ولكنه لما كان اللحد شقا قد ميل به عن الوسط إلى الجانب قال: وشق له. وأصل اللحد مأخوذ من الميل،  يقال فيه: لحد وألحد في الدين وغيره، من الميل. وقد قرئ باللغتين في القرآن فقرأ الجمهور: وذروا الذين يلحدون في أسمائه : لسان الذي يلحدون إليه أعجمي إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا [ ص: 668 ] وقرأ الآخرون الأحرف الثلاثة بالفتح؛ وممن قرأ كذلك حمزة. وكان الكسائي يقرأ التي في الأعراف وحم السجدة بالضم، ويفتح الذي في النحل لوضوح دلالته على الميل بقوله " إليه " فكان أخص بالدلالة إلى معنى الميل من " في ". وقد يكون ما اختاره الكسائي بعيدا في تفريقه بين اللفظين إلى الجمع بين اللغتين كما قال الله عز وجل: فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ، وقد كان الكسائي يفعل هذا كثيرا، من ذلك ما روي عنه من اختياره في قراءة: لم يطمثهن ضم عين الفعل في أحد الموضعين وكسرها في الآخر. والذي اختاره من القراءة على لغة من يقول " لحد " في موضع وعلى لغة من يقول " ألحد " في غيره حسن جميل عندي.

وقول الراعي " وقد كان مات الجود حتى نشرته " اللغة الصحيحة " أنشر الله الميت، فنشر هو، ونشره فهو منشور لغة قد قرئ بها، وقد مضى من شرح هذا فيما تقدم من مجالسنا هذه ما نكتفي به فنستغني عن إعادته. وقوله " ولا بل من سقم ": يقال بل الرجل من مرضه وأبل واستبل إذا برأ وصح، قال الشاعر:


إذا بل من داء به ظن أنه     نجا وبه الداء الذي هو قاتله



وقال الأعشى:

وكأنها محموم خيبر بل من أوصابها



التالي السابق


الخدمات العلمية