علي لكميل بن زياد موعظة
حدثني محمد بن عمر بن نصير الحربي الجمال سنة ست عشرة وثلاثمائة إملاء من حفظه قال: حدثني نجيح بن إبراهيم الزماني قال: حدثنا عن ضرار بن صرد ثابت بن أبي قتيبة عن عبد الرحمن بن جندب عن قال: أخذ بيدي كميل بن زياد عليه السلام فأخرجني إلى الجبان، فلما أصحر جلس ثم تنفس ثم قال: يا علي بن أبي طالب القلوب أوعية فخيرها أوعاها، احفظ عني ما أقول لك: الناس ثلاثة فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق. يا كميل بن زياد، كميل بن زياد، والمال تنقصه النفقات، ومحبة العلم دين يدان به يكسبه الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد موته. العلم خير لك من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، العلم يزكو على العمل
يا العلم حاكم والمال محكوم عليه، وصنيعة المال تزول بزواله، مات خزان الأموال وهم أحياء، كميل بن زياد، إن هاهنا لعلما جما وأشار بيده إلى صدره لو أصبت له حملة، بل أصبت له لقنا غير مأمون عليه، يستعمل له آلة الدين بالدنيا، يستظهر بنعم الله على عبادته وبحجته على كتابه، أو منقادا لأهل الحق لا بصيرة له في إحيائه، يقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة، فلا ذا ولا ذا، أو منهوما باللذة، سلس القياد للشهوات، أو مغرما [ ص: 697 ] بجمع الأموال والادخار، ليسا من دعائم الدين، أقرب شبها بهما الأنعام السائمة. والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة.
كذلك يموت العلم بموت حامليه. اللهم بلى، لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة لكيلا تبطل حجج الله وبيناته. أولئك الأقلون عددا، الأعظمون عند الله قدرا، بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فاستلانوا ما استوعره المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالملكوت الأعلى، أولئك خلفاء الله في بلاده، والدعاة إلى دينه، آه آه شوقا إلى رؤيتهم، وأستغفر الله لي ولكم.
قال القاضي: لقد ألقى أمير المؤمنين العالم الرباني إمام المسلمين صلوات الله عليه وآله إلى في مجلسه هذا علما عظيما وحكما جسيما، وخلف بما أتى به منه للمسلمين حكمة شافية ووصية كافية، ومن جعل من العلماء مستودع هذا الخبر إمامه، وأخذ به في دينه، اقتبس علما غزيرا، واستفاد خيرا كثيرا. ونسأل الله التوفيق لإصابة القول والعمل، والعصمة من الخطأ والزلل. كميل بن زياد