الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
فإذا علم هذا فنقول بعد ذلك لمن قال إنه رسول أرسل إلى العرب الجاهلية دون أهل الكتاب :

إنه من المعلوم بالضرورة لكل من علم أحواله بالنقل المتواتر الذي هو أعظم تواترا مما ينقل عن موسى وعيسى وغيرهما ، وبالقرآن المتواتر عنه ، وسنته المتواترة عنه ، وسنة خلفائه الراشدين من بعده ، أنه صلى الله عليه وسلم ذكر أنه أرسل إلى أهل الكتاب اليهود والنصارى ، كما ذكر أنه أرسل إلى الأميين ، بل ذكر أنه أرسل إلى جميع بني آدم عربهم ، وعجمهم من الروم ، والفرس [ ص: 163 ] والترك ، والهند ، والبربر ، والحبشة ، وسائر الأمم ، بل أنه أرسل إلى الثقلين الجن والإنس جميعا .

وهذا كله من الأمور الظاهرة المتواترة عنه ، التي اتفق على نقلها عنه أصحابه مع كثرتهم ، وتفرق ديارهم وأحوالهم ، وقد صحبه عشرات ألوف ، لا يحصي عددهم على الحقيقة إلا الله تعالى ، ونقل ذلك عنهم التابعون ، وهم أضعاف الصحابة عددا ، ثم ذلك منقول قرنا بعد قرن [ ص: 164 ] إلى زمننا مع كثرة المسلمين ، وانتشارهم في مشارق الأرض ومغاربها ، كما أخبر بذلك قبل أن يكون ، فقال في الحديث الصحيح زويت لي الأرض ، فرأيت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها ، وكان كما أخبر ، فبلغ ملك أمته طرفي العمارة شرقا وغربا ، وانتشرت دعوته في وسط الأرض ، كالإقليم الثالث والرابع والخامس ; لأنهم أكمل عقولا ، وأخلاقا ، وأعدل أمزجة ، بخلاف طرفي الجنوب والشمال ، فإن هؤلاء نقصت عقولهم وأخلاقهم ، وانحرفت أمزجتهم .

أما طرف الجنوب ، فإنه لقوة الحرارة احترقت أخلاطهم ، فاسودت ألوانهم ، وتجعدت شعورهم .

[ ص: 165 ] وأما أهل طرف الشمال فلقوة البرد لم تنضج أخلاطهم ، بل صارت فجة ، فأفرطوا في سبوطة الشعر والبياض البارد الذي لا يستحسن .

ولهذا لما ظهر الإسلام غلب أهله على وسط المعمورة ، وهم أعدل بني آدم وأكملهم ، والنصارى الذين تربوا تحت ذمة المسلمين أكمل من غيرهم من النصارى عقولا وأخلاقا ، وأما النصارى المحاربون للمسلمين الخارجون عن ذمتهم من أهل الجنوب والشمال ، فهم أنقص عقولا وأخلاقا ، ولما فيهم من نقص العقول والأخلاق ظهرت فيهم النصرانية دون الإسلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية