والمقصود : محمدا صلى الله عليه وسلم هو نفسه دعا أهل الكتاب من اليهود والنصارى إلى الإيمان به ، وبما جاء به ، كما دعا من لا كتاب له من العرب وسائر الأمم . أن
[ ص: 166 ] وهو الذي أهل الكتاب وغيرهم ، وبأنهم يصلون جهنم ، وساءت مصيرا ، وهو الذي أمر بجهادهم ، ودعاهم بنفسه ونوابه ، وحينئذ فقولهم في الكتاب لم يأت إلينا بل إلى الجاهلية من العرب سواء أرادوا أن الله بعثه إلى العرب ، ولم يبعثه إلينا ، أو أرادوا أنه ادعى أنه أرسل إلى العرب لا إلينا ; فإنه قد علم جميع الطوائف أن أخبر عن الله تبارك وتعالى بكفر من لم يؤمن به من محمدا دعا اليهود والنصارى إلى الإيمان به ، وذكر أن الله أرسله إليهم وأمره بجهاد من لم يؤمن به منهم فإذا قيل مع هذا أنه قال : لم أبعث إلا إلى العرب ، كان كاذبا كذبا ظاهرا عليه سواء صدقه الإنسان أو كذبه ، فإن المقصود هنا أنه نفسه دعا جميع أهل الأرض إلى الإيمان به ، فدعا أهل الكتاب كما دعا الأميين .
أما اليهود : فإنهم كانوا جيرانه في الحجاز بالمدينة ، وما حولها ، وخيبر ، فإن المهاجرين والأنصار كلهم آمنوا به من غير سيف ولا قتال ، بل لما ظهر لهم من براهين نبوته ، ودلائل صدقه آمنوا به ، وقد حصل من الأذى في الله لمن آمن بالله ما هو معروف في السيرة ، وقد آمن به في حياته كثير من اليهود والنصارى بعضهم بمكة وبعضهم بالمدينة وكثير [ ص: 167 ] منهم كانوا بغير مكة والمدينة ، فلما قدم المدينة عاهد من لم يؤمن به من اليهود ، ثم نقضوا العهد ، فأجلى بعضهم ، وقتل بعضهم ; لمحاربتهم لله ورسوله .
وقد قاتلهم مرة بعد مرة قاتل بني النضير ، وأنزل الله تعالى فيهم سورة الحشر ، وقاتل قريظة عام الأحزاب ، وذكرهم الله في سورة الأحزاب ، وقاتل قبلهم بني قينقاع ، وبعد هؤلاء [ ص: 168 ] غزا خيبر هو وأهل بيعة الرضوان ، الذين بايعوه تحت الشجرة ، وكانوا ألفا وأربعمائة ، ففتح الله عليهم خيبر ، وأقر اليهود فيها فلاحين ، وأنزل الله تعالى سورة الفتح يذكر فيها ذلك فكيف يقال : إنه لم يذكر أنه أرسل إلا إلى مشركي العرب وهذه حال اليهود معه ؟