فإذا علم هذا فنقول بعد ذلك أهل الكتاب : لمن قال إنه رسول أرسل إلى العرب الجاهلية دون
إنه من المعلوم بالضرورة لكل من علم أحواله بالنقل المتواتر الذي هو أعظم تواترا مما ينقل عن موسى وعيسى وغيرهما ، وبالقرآن المتواتر عنه ، وسنته المتواترة عنه ، وسنة خلفائه الراشدين من بعده ، اليهود والنصارى ، كما ذكر أنه أرسل إلى الأميين ، بل ذكر أنه أرسل إلى جميع بني آدم عربهم ، وعجمهم من أنه صلى الله عليه وسلم ذكر أنه أرسل إلى أهل الكتاب الروم ، والفرس [ ص: 163 ] والترك ، والهند ، والبربر ، والحبشة ، وسائر الأمم ، بل أنه أرسل إلى الثقلين الجن والإنس جميعا .
وهذا كله من الأمور الظاهرة المتواترة عنه ، التي اتفق على نقلها عنه أصحابه مع كثرتهم ، وتفرق ديارهم وأحوالهم ، وقد صحبه عشرات ألوف ، لا يحصي عددهم على الحقيقة إلا الله تعالى ، ونقل ذلك عنهم التابعون ، وهم أضعاف الصحابة عددا ، ثم ذلك منقول قرنا بعد قرن [ ص: 164 ] إلى زمننا مع كثرة المسلمين ، وانتشارهم في مشارق الأرض ومغاربها ، كما أخبر بذلك قبل أن يكون ، فقال في الحديث الصحيح ، وكان كما أخبر ، فبلغ ملك أمته طرفي العمارة شرقا وغربا ، وانتشرت دعوته في وسط الأرض ، كالإقليم الثالث والرابع والخامس ; لأنهم أكمل عقولا ، وأخلاقا ، وأعدل أمزجة ، بخلاف طرفي الجنوب والشمال ، فإن هؤلاء نقصت عقولهم وأخلاقهم ، وانحرفت أمزجتهم . زويت لي الأرض ، فرأيت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها
أما طرف الجنوب ، فإنه لقوة الحرارة احترقت أخلاطهم ، فاسودت ألوانهم ، وتجعدت شعورهم .
[ ص: 165 ] وأما أهل طرف الشمال فلقوة البرد لم تنضج أخلاطهم ، بل صارت فجة ، فأفرطوا في سبوطة الشعر والبياض البارد الذي لا يستحسن .
ولهذا لما ظهر الإسلام غلب أهله على وسط المعمورة ، وهم أعدل بني آدم وأكملهم ، والنصارى الذين تربوا تحت ذمة المسلمين أكمل من غيرهم من النصارى عقولا وأخلاقا ، وأما النصارى المحاربون للمسلمين الخارجون عن ذمتهم من أهل الجنوب والشمال ، فهم أنقص عقولا وأخلاقا ، ولما فيهم من نقص العقول والأخلاق ظهرت فيهم النصرانية دون الإسلام .