[ ص: 149 ] قالوا : فماذا يكون أعظم من هذا برهانا ، وأقوى شهادة ، إذ هذه كتب أعدائنا المخالفين لديننا ، وهم يقرون بذلك ويقرءونه في كنائسهم ، ولم ينكروا منه كلمة واحدة ولا حرفا واحدا .
والجواب : أن الأمر إذا كان على ما قالوه من ثبوت هذه الكلمات عن بعض الأنبياء فليس فيها مدح لدينهم بعد التبديل ، فكيف بعد النسخ والتبديل ؟ وإنما فيها إخبار بزوال ملك بني إسرائيل ، وبنسخ ما نسخ من شرعهم بمجيء المسيح - عليه السلام - ، وهذا دليل على نبوة المسيح وصدقه وهذا مما اتفق عليه المسلمون .
والمسيح - عليه السلام - عندهم كما أخبر الله عنه ، بقوله - تعالى - لمريم :
إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين .
[ ص: 150 ] وأما قولهم : إن هذا وغيره موجود في كتب أعدائنا اليهود .
فيقال لهم لا ريب أن اليهود يخالفونكم في تفسير الكتب ، فأنتم تفسرونها بشيء ، وهم يفسرونها بشيء آخر وقد يكون كلا التفسيرين باطلا وحينئذ فيقال لكم كما أن للمسيح ولدينه وإن خالفتكم اليهود في تفسيرها ، فكذلك هي شاهدة لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته ، وإن خالف كتب الأنبياء شاهدة أهل الكتاب في تفسيرها كما قد بين الله في كتب الأنبياء صفة محمد وأمته في غير موضع .
والواجب في الكتب إذا تنازعت الأمم في تفسيرها أن يبين الحق الذي يقوم عليه الدليل الشرعي والعقلي ، وحينئذ تبين أنكم فسرتم كتب الله بأشياء تخالف مراد الله في أمر التثليث والاتحاد وغيره ، كما فعلت اليهود بتفسير الكتب ، كما قد بسط في غير هذا الموضع .