[ ص: 137 ] nindex.php?page=treesubj&link=29434قالوا ثم شهد لقرابيننا وذبائحنا أنها مقدسة مقبولة لدى الله من كتب اليهود التي في أيديهم يومنا هذا المنزلة من الله على أفواه الأنبياء المرسلين .
قال
أشعيا : ( قال الله : إني أعرف
بني إسرائيل وقلوبهم القاسية الخبيثة فإذا أنا ظهرت إلى الأمم فنظروا إلى كرامتي أقيم منها أنبياء وأبعث منهم مخلصين يخلصون الأمم من البلدان القاصية الذين لم يسمعوا بسماعي ، ولم يعرفوا من قبل كرامتي ، ويكون اسمي فيهم ، ويجلبون إخوتهم من الأمم كلها ، ويجيبون قرابين الله على الدواب والمراكب إلى جبل قدسي
بيت المقدس ، فيقربون لي القرابين بالسميد ، كما كان
بنو إسرائيل من قبل وكذلك باقي الأمم وتقرب القرابين بين يدي ، فهم وزرعهم إلى الأبد ، ويحجون في كل سنة ، وفي كل شهر ، ومن سنة إلى سنة إلى
بيت المقدس ، بيت الله ويقربون لله ربهم فيه قرابين زكية نقية ، ينظرون إلى الأمة الخبيثة الماردة :
بني إسرائيل ، لا يبلى حزنها ولا ينقطع ، بلاؤها إلى الأبد ) .
[ ص: 138 ] وقال
دانيال النبي - عليه السلام - : ( وسيأتي على شعبك وقرية قدسك سبعون سابوعا ، وتنقضي الذنوب ، وتفنى الخطايا وغفران الإثم ، ويؤتى بالحق الذي لم ينزل من قبل ، وتتم نبوات الأنبياء وكتب الرسل ، وتبيد قرية القدس وتخرب مع مجيء
المسيح ، ويفنى الميثاق العتيق من الناس ، ومن بعد أسبوع ونصف تبطل ذبائح
اليهود وقرابينهم ، وتصير على كف النجاسة والفساد إلى انقضاء الدهر ) .
[ ص: 139 ] وقال
ميخا النبي - عليه السلام - : ( قال الله في آخر الزمان إذا أتى
المسيح يدعو الأمم المبددة ، ويضعهم شعبا واحدا ، ويبطل قتال
بني إسرائيل وسلاحهم وقرابينهم إلى الأبد ) .
وقال
عاموص النبي : ( لا تذبحوا العجول بعد فإن الرب سيأتي صهيون ويحدث وصية جديدة طاهرة من الخبز النقي والخمر الزكي ويصير
بنو إسرائيل مطرودين ) .
[ ص: 140 ] والجواب من وجوه :
أحدها : أن ما يحتجون به من النقل عن الأنبياء - صلوات الله عليهم - يحتاجون فيه إلى أربع مقدمات : إلى أن تعلم نبوة المنقول عنه ، والى أن يعلم لفظه الذي تكلم به ، وإلى أن يعلم ما ذكروه ترجمة صحيحة عنده ، فإن أولئك الأنبياء لم يتكلموا بالعربية ، بل ولا بالرومية والسريانية واليونانية ، وإنما تكلموا بالعبرية ،
كالمسيح - عليه السلام - .
والرابع : أن يعلم أن ما ذكروه من كلام الأنبياء دليل على ما ادعوه من قبول قرابينهم في هذا الزمان ، ونحن في هذا المقام نقتصر على منازعتهم في هذه المقدمة ، فليس فيما ذكروه دليل على مدح قرابينهم وذبائحهم بعد التبديل والنسخ ، ولكن غايتها أن يدل على مدحها قبل النسخ والتبديل ، وهذا مما لا ينازع فيه المسلمون .
الوجه الثاني : أن هذه النعوت المذكورة عن
" أشعيا " وغيره من الأنبياء لا توافق ما عليه
النصارى ، فإن
النصارى لا يقربون القرابين بالسميد ، كما كان
بنو إسرائيل من قبل ، ولا يحجون في كل شهر ومن سنة إلى سنة إلى
بيت المقدس بيت الله ، ويقربون لله ربهم فيه قرابين نقية زكية ، وإنما يحجون إلى قمامة الخارجة عن بيت الله الذي كانت الأنبياء تقصده وتصلي فيه ، فإن الأنبياء إنما كانوا يصلون في
بيت [ ص: 141 ] المقدس ، ويزورون
بيت المقدس نفسه ، وأما قمامة فليس لها ذكر في كتب الأنبياء - عليهم السلام - ، بل إنما ظهرت قمامة في زمن
قسطنطين الملك ، لما أظهرتها أمه
هيلانة الحرانية لما جاءت
بيت المقدس ، واختارت من
اليهود ثلاثة ، وسألتهم أن يدلوها على موضع الصليب فامتنعوا ، فعاقبتهم بالحبس والجوع ، فدلوها على موضعه في مزبلة فاستخرجوه ، وجعلته في غلاف من ذهب وحملته ، وبنت كنيسة القمامة في موضعه ، كما ذكر ذلك
ابن البطريق في تاريخه ، وغيره ، كما سيأتي ، وذلك بعد
المسيح بأكثر من ثلاث مائة سنة .
ومن ذلك الوقت أظهروا الصليب ، وجعلوا " عيد الصليب " ، ولم يشرع ذلك لا
المسيح ولا
الحواريون ، وهذا مذكور في كتبهم متفق عليه بين علمائهم ، كما قد ذكر في موضع آخر ، ولا هم يأتون بقرابين لله على الدواب والمراكب إلى جبل قدس بيت الله المقدس .
[ ص: 142 ] الوجه الثالث : أن ما ذكروه عن
" دانيال " لا يتضمن مدح دينهم بعد النسخ والتبديل ، وإنما يتضمن أن الله يبعث
المسيح - عليه السلام - بالحق الذي لم يزل من قبل ، وهو الدين الذي بعث به الرسل قبله ، وهو عبادة الله وحده وأن
بيت المقدس يخرب مع مجيء
المسيح ، ويفنى الميثاق العتيق ، يعني ما نسخ من شرع التوراة ، وأنه يبطل ذبائح
اليهود وقرابينهم .
وهذا كله إنما يدل على
nindex.php?page=treesubj&link=30172نسخ شرع التوراة ، وبطلان دولة اليهود ويدل على أن
المسيح جاء بالحق ، ومن اتبع
المسيح كان على الحق ، وهذا مما لا ينازع فيه المسلمون فإنهم متفقون على أن من كان متمسكا بما أمر به
المسيح فإنه من عباد الله الصالحين ولكن من جاء بشرع لم يأت به
المسيح أو أراد اتباع شرعه بعد النسخ فهو بمنزلة
اليهود الذين نسخ الله ما نسخه من شرعهم وأزال دولتهم وكذلك فعل
بالنصارى لما بعث الله
محمدا - صلى الله عليه وسلم - أزال دولتهم عن وسط الأرض وخيارها وحيث بعثت الأنبياء كأرض
الشام ومصر [ ص: 143 ] والجزيرة ، والعراق ، وأرمينية ، وأذربيجان ، وأجلاهم إلى طرفي الأرض من جهة الشمال والجنوب ، وصار الذين في وسط الأرض منهم أحسن أحوالهم إذا لم يسلموا أن يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون .
وكذلك ما ذكروه عن
" ميخا " و " عاموس " إنما يدل على مجيء
المسيح - عليه السلام - ، وبطلان ما نسخه الله وأبطله من شرع
اليهود [ ص: 144 ] وملكهم ولا يدل على صحة دين
النصارى الذي لم يشرعه
المسيح - عليه السلام - ولا على صحته بعد أن نسخ بشرع
محمد - صلى الله عليه وسلم - نسخا هو أبلغ من نسخ بعض شرع
موسى بشرع
المسيح - عليه السلام - .
هذا إذا سمى الشرع المؤقت بغاية مجهولة نسخا ، فإن الأول لم يبشر بالثاني .
وأما إذا كان الأول بشر بالثاني ، وكانت شريعة الأول مؤقتة إلى مجيء الثاني لم يسم ذلك نسخا ،
فالمسيح ومحمد - صلى الله عليهما وسلم - لم ينسخا شيئا ، بل كان شرع
موسى إلى مجيء
المسيح ، وشرع
المسيح إلى مجيء
محمد - صلى الله عليهما وسلم - .
وأما ما حكي عن
أشعيا عن الله أنه قال : فإذا ظهرت إلى الأمم فهذا قد يحتج به
النصارى وبأمثاله من كلام الأنبياء - عليهم السلام - على الحلول الذي ابتدعوه ، وهو باطل فإن مثل هذا اللفظ مذكور في كتب
أهل الكتاب في غير موضع ولا يراد بشيء منها حلول ذات الله في أحد من البشر ، كما ذكر في التوراة أن الله عز وجل
[ ص: 145 ] استعلن
لإبراهيم وغيره ، وأن الله يأتي من
طور سيناء ، ويشرف من
ساعير ، ويستعلن من
جبال فاران .
ومعلوم عند جميع أهل الملل أن الله سبحانه و - تعالى - لم يحل في
موسى وغيره لما كلمه ، ولا يحل في شيء من
جبال فاران مع إخباره أنه استعلن منها .
وقد قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=33nindex.php?page=treesubj&link=29032هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله .
فأظهره بالعلم والحجة والبيان ، وأظهره باليد والسنان ، كما قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب وغيره : مثل نوره في قلب
[ ص: 146 ] المؤمن .
وقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=28ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به .
وقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا .
وفي
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=665422nindex.php?page=treesubj&link=25969اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر [ ص: 147 ] بنور الله ، ثم قرأ :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=75إن في ذلك لآيات للمتوسمين .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : حديث حسن ، وقد جاء عن بعض السلف أن قلوب المؤمنين تضيء لأهل السماوات كما تضيء الكواكب لأهل الأرض .
والمخلوق الذي تظهر محبته وذكره وطاعته في بعض البلاد ، يقال فلان قد ظهر في هذه الأرض ، فإذا ظهر ذكر الله وذكر أسمائه وصفاته وتوحيده وآياته وعبادته حتى امتلأت القلوب بذلك بعد أن كانت ممتلئة بظلمة الكفر والشرك ، كان ذلك مما أخبر به من ظهوره ، وهذا أعظم ما يكون في بيوته التي يعبد فيها ويذكر فيها اسمه .
ولهذا لما ذكر - تعالى - آية النور وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم .
[ ص: 148 ] قال عقب ذلك :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=36في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب .
وكذلك ما في الكتب من ظهوره
ببيت المقدس فهو كظهوره بطور سيناء وبجبل فاران ، ومع هذا فلم يره
موسى ولا غيره ، لا مجردا ولا حالا في غيره وقد أخبر
المسيح أنه لم يره أحد ، كما أخبر غيره وذلك نفي عام يوجب أنه لا يرى لا مجردا ، ولا حالا في دار الدنيا كما قد بسط هذا في موضع آخر ومعلوم أن ملابسة الشيء أبلغ من رؤيته فإذا كان الرب - تعالى - لا يراه ناسوت فأن لا يلابسه ناسوت بطريق الأولى والأحرى
والنصارى يزعمون أنه اتحد هو والناسوت وهذا أعظم من الرؤية .
[ ص: 137 ] nindex.php?page=treesubj&link=29434قَالُوا ثُمَّ شَهِدَ لِقَرَابِينِنَا وَذَبَائِحِنَا أَنَّهَا مُقَدَّسَةٌ مَقْبُولَةٌ لَدَى اللَّهِ مِنْ كُتُبِ الْيَهُودِ الَّتِي فِي أَيْدِيهِمْ يَوْمَنَا هَذَا الْمُنَزَّلَةِ مِنَ اللَّهِ عَلَى أَفْوَاهِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُرْسَلِينَ .
قَالَ
أَشْعِيَا : ( قَالَ اللَّهُ : إِنِّي أَعْرِفُ
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلُوبَهُمُ الْقَاسِيَةَ الْخَبِيثَةَ فَإِذَا أَنَا ظَهَرْتُ إِلَى الْأُمَمِ فَنَظَرُوا إِلَى كَرَامَتِي أُقِيمُ مِنْهَا أَنْبِيَاءَ وَأَبْعَثُ مِنْهُمْ مُخَلِّصِينَ يُخَلِّصُونَ الْأُمَمَ مِنَ الْبُلْدَانِ الْقَاصِيَةِ الَّذِينَ لَمْ يَسْمَعُوا بِسَمَاعِي ، وَلَمْ يَعْرِفُوا مِنْ قَبْلُ كَرَامَتِي ، وَيَكُونُ اسْمِي فِيهِمْ ، وَيَجْلِبُونَ إِخْوَتَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ كُلِّهَا ، وَيُجِيبُونَ قَرَابِينَ اللَّهِ عَلَى الدَّوَابِّ وَالْمَرَاكِبِ إِلَى جَبَلٍ قُدْسِيٍّ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَيُقَرِّبُونَ لِي الْقَرَابِينَ بِالسَّمِيدِ ، كَمَا كَانَ
بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ قَبْلُ وَكَذَلِكَ بَاقِي الْأُمَمِ وَتُقَرَّبُ الْقَرَابِينُ بَيْنَ يَدَيَّ ، فَهُمْ وَزَرْعُهُمْ إِلَى الْأَبَدِ ، وَيَحُجُّونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ ، وَفِي كُلِّ شَهْرٍ ، وَمِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ إِلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، بَيْتِ اللَّهِ وَيُقَرِّبُونَ لِلَّهِ رَبِّهِمْ فِيهِ قَرَابِينَ زَكِيَّةً نَقِيَّةً ، يَنْظُرُونَ إِلَى الْأُمَّةِ الْخَبِيثَةِ الْمَارِدَةِ :
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، لَا يَبْلَى حُزْنُهَا وَلَا يَنْقَطِعُ ، بَلَاؤُهَا إِلَى الْأَبَدِ ) .
[ ص: 138 ] وَقَالَ
دَانْيَالُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : ( وَسَيَأْتِي عَلَى شَعْبِكَ وَقَرْيَةِ قُدْسِكَ سَبْعُونَ سَابُوعًا ، وَتَنْقَضِي الذُّنُوبُ ، وَتَفْنَى الْخَطَايَا وَغُفْرَانُ الْإِثْمِ ، وَيُؤْتَى بِالْحَقِّ الَّذِي لَمْ يَنْزِلْ مِنْ قَبْلُ ، وَتَتِمُّ نُبُوَّاتُ الْأَنْبِيَاءِ وَكُتُبُ الرُّسُلِ ، وَتَبِيدُ قَرْيَةُ الْقُدْسِ وَتُخَرَّبُ مَعَ مَجِيءِ
الْمَسِيحِ ، وَيَفْنَى الْمِيثَاقُ الْعَتِيقُ مِنَ النَّاسِ ، وَمِنْ بَعْدِ أُسْبُوعٍ وَنِصْفٍ تَبْطُلُ ذَبَائِحُ
الْيَهُودِ وَقَرَابِينُهُمْ ، وَتَصِيرُ عَلَى كَفِّ النَّجَاسَةِ وَالْفَسَادِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ ) .
[ ص: 139 ] وَقَالَ
مِيخَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : ( قَالَ اللَّهُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ إِذَا أَتَى
الْمَسِيحُ يَدْعُو الْأُمَمَ الْمُبَدَّدَةَ ، وَيَضَعُهُمْ شَعْبًا وَاحِدًا ، وَيُبْطِلُ قِتَالَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَسِلَاحَهُمْ وَقَرَابِينَهُمْ إِلَى الْأَبَدِ ) .
وَقَالَ
عَامُوصُ النَّبِيُّ : ( لَا تَذْبَحُوا الْعُجُولَ بَعْدُ فَإِنَّ الرَّبَّ سَيَأْتِي صِهْيُونَ وَيُحْدِثُ وَصِيَّةً جَدِيدَةً طَاهِرَةً مِنَ الْخُبْزِ النَّقِيِّ وَالْخَمْرِ الزَّكِيِّ وَيَصِيرُ
بَنُو إِسْرَائِيلَ مَطْرُودِينَ ) .
[ ص: 140 ] وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ مَا يَحْتَجُّونَ بِهِ مِنَ النَّقْلِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - يَحْتَاجُونَ فِيهِ إِلَى أَرْبَعِ مُقَدِّمَاتٍ : إِلَى أَنْ تُعْلَمَ نُبُوَّةُ الْمَنْقُولِ عَنْهُ ، وَالَى أَنْ يُعْلَمَ لَفْظُهُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ ، وَإِلَى أَنْ يُعْلَمَ مَا ذَكَرُوهُ تَرْجَمَةً صَحِيحَةً عِنْدَهُ ، فَإِنَّ أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يَتَكَلَّمُوا بِالْعَرَبِيَّةِ ، بَلْ وَلَا بِالرُّومِيَّةِ وَالسُّرْيَانِيَّةِ وَالْيُونَانِيَّةِ ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمُوا بِالْعِبْرِيَّةِ ،
كَالْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - .
وَالرَّابِعُ : أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ دَلِيلٌ عَلَى مَا ادَّعَوْهُ مِنْ قَبُولِ قَرَابِينِهِمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ ، وَنَحْنُ فِي هَذَا الْمَقَامِ نَقْتَصِرُ عَلَى مُنَازَعَتِهِمْ فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ ، فَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرُوهُ دَلِيلٌ عَلَى مَدْحِ قَرَابِينِهِمْ وَذَبَائِحِهِمْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ وَالنَّسْخِ ، وَلَكِنَّ غَايَتَهَا أَنْ يَدُلَّ عَلَى مَدْحِهَا قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُنَازِعُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ هَذِهِ النُّعُوتَ الْمَذْكُورَةَ عَنْ
" أَشْعِيَا " وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لَا تُوَافِقُ مَا عَلَيْهِ
النَّصَارَى ، فَإِنَّ
النَّصَارَى لَا يُقَرِّبُونَ الْقَرَابِينَ بِالسَّمِيدِ ، كَمَا كَانَ
بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ قَبْلُ ، وَلَا يَحُجُّونَ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَمِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ إِلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَيْتِ اللَّهِ ، وَيُقَرِّبُونَ لِلَّهِ رَبِّهِمْ فِيهِ قَرَابِينَ نَقِيَّةً زَكِيَّةً ، وَإِنَّمَا يَحُجُّونَ إِلَى قُمَامَةَ الْخَارِجَةِ عَنْ بَيْتِ اللَّهِ الَّذِي كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تَقْصِدُهُ وَتُصَلِّي فِيهِ ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ إِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ فِي
بَيْتِ [ ص: 141 ] الْمَقْدِسِ ، وَيَزُورُونَ
بَيْتَ الْمَقْدِسِ نَفْسَهُ ، وَأَمَّا قُمَامَةُ فَلَيْسَ لَهَا ذِكْرٌ فِي كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - ، بَلْ إِنَّمَا ظَهَرَتْ قُمَامَةُ فِي زَمَنِ
قُسْطَنْطِينَ الْمَلِكِ ، لَمَّا أَظْهَرَتْهَا أُمُّهُ
هِيلَانَةُ الْحَرَّانِيَّةُ لَمَّا جَاءَتْ
بَيْتَ الْمَقْدِسِ ، وَاخْتَارَتْ مِنَ
الْيَهُودِ ثَلَاثَةً ، وَسَأَلَتْهُمْ أَنْ يَدُلُّوهَا عَلَى مَوْضِعِ الصَّلِيبِ فَامْتَنَعُوا ، فَعَاقَبَتْهُمْ بِالْحَبْسِ وَالْجُوعِ ، فَدَلُّوهَا عَلَى مَوْضِعِهِ فِي مَزْبَلَةٍ فَاسْتَخْرَجُوهُ ، وَجَعَلَتْهُ فِي غِلَافٍ مِنْ ذَهَبَ وَحَمَلَتْهُ ، وَبَنَتْ كَنِيسَةَ الْقُمَامَةِ فِي مَوْضِعِهِ ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ
ابْنُ الْبِطْرِيقِ فِي تَارِيخِهِ ، وَغَيْرُهُ ، كَمَا سَيَأْتِي ، وَذَلِكَ بَعْدَ
الْمَسِيحِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ مِائَةِ سَنَةٍ .
وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَظْهَرُوا الصَّلِيبَ ، وَجَعَلُوا " عِيدَ الصَّلِيبِ " ، وَلَمْ يَشْرَعْ ذَلِكَ لَا
الْمَسِيحُ وَلَا
الْحَوَارِيُّونَ ، وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي كُتُبِهِمْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ عُلَمَائِهِمْ ، كَمَا قَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، وَلَا هُمْ يَأْتُونَ بِقَرَابِينَ لِلَّهِ عَلَى الدَّوَابِّ وَالْمَرَاكِبِ إِلَى جَبَلِ قُدْسِ بَيْتِ اللَّهِ الْمَقْدِسِ .
[ ص: 142 ] الْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ عَنْ
" دَانْيَالَ " لَا يَتَضَمَّنُ مَدْحَ دِينِهِمْ بَعْدَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ ، وَإِنَّمَا يَتَضَمَّنُ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ
الْمَسِيحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْحَقِّ الَّذِي لَمْ يَزَلْ مِنْ قَبْلُ ، وَهُوَ الدِّينُ الَّذِي بَعَثَ بِهِ الرُّسُلَ قَبْلَهُ ، وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ وَأَنَّ
بَيْتَ الْمَقْدِسِ يُخَرَّبُ مَعَ مَجِيءِ
الْمَسِيحِ ، وَيَفْنَى الْمِيثَاقُ الْعَتِيقُ ، يَعْنِي مَا نُسِخَ مِنْ شَرْعِ التَّوْرَاةِ ، وَأَنَّهُ يُبْطِلُ ذَبَائِحَ
الْيَهُودِ وَقَرَابِينَهُمْ .
وَهَذَا كُلُّهُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30172نَسْخِ شَرْعِ التَّوْرَاةِ ، وَبُطَلَانِ دَوْلَةِ الْيَهُودِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ
الْمَسِيحَ جَاءَ بِالْحَقِّ ، وَمَنِ اتَّبَعَ
الْمَسِيحَ كَانَ عَلَى الْحَقِّ ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُنَازِعُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِمَا أَمَرَ بِهِ
الْمَسِيحُ فَإِنَّهُ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَلَكِنْ مَنْ جَاءَ بِشَرْعٍ لَمْ يَأْتِ بِهِ
الْمَسِيحُ أَوْ أَرَادَ اتِّبَاعَ شَرْعِهِ بَعْدَ النَّسْخِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ
الْيَهُودِ الَّذِينَ نَسَخَ اللَّهُ مَا نَسَخَهُ مِنْ شَرْعِهِمْ وَأَزَالَ دَوْلَتَهُمْ وَكَذَلِكَ فَعَلَ
بِالنَّصَارَى لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَزَالَ دَوْلَتَهُمْ عَنْ وَسَطِ الْأَرْضِ وَخِيَارِهَا وَحَيْثُ بُعِثَتِ الْأَنْبِيَاءُ كَأَرْضِ
الشَّامِ وَمِصْرَ [ ص: 143 ] وَالْجَزِيرَةِ ، وَالْعِرَاقِ ، وَأَرْمِينِيَّةَ ، وَأَذْرَبِيجَانَ ، وَأَجْلَاهُمْ إِلَى طَرَفَيِ الْأَرْضِ مِنْ جِهَةِ الشَّمَالِ وَالْجَنُوبِ ، وَصَارَ الَّذِينَ فِي وَسَطِ الْأَرْضِ مِنْهُمْ أَحْسَنُ أَحْوَالِهِمْ إِذَا لَمْ يُسْلِمُوا أَنْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ .
وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرُوهُ عَنْ
" مِيخَا " وَ " عَامُوسَ " إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مَجِيءِ
الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَبُطْلَانِ مَا نَسَخَهُ اللَّهُ وَأَبْطَلَهُ مِنْ شَرْعِ
الْيَهُودِ [ ص: 144 ] وَمُلْكِهِمْ وَلَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ دِينِ
النَّصَارَى الَّذِي لَمْ يَشْرَعْهُ
الْمَسِيحُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا عَلَى صِحَّتِهِ بَعْدَ أَنْ نُسِخَ بِشَرْعِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَسْخًا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ نَسْخِ بَعْضِ شَرْعِ
مُوسَى بِشَرْعِ
الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - .
هَذَا إِذَا سَمَّى الشَّرْعَ الْمُؤَقَّتَ بِغَايَةٍ مَجْهُولَةٍ نَسْخًا ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُبَشِّرْ بِالثَّانِي .
وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْأَوَّلُ بَشَّرَ بِالثَّانِي ، وَكَانَتْ شَرِيعَةُ الْأَوَّلِ مُؤَقَّتَةٌ إِلَى مَجِيءِ الثَّانِي لَمْ يُسَمِّ ذَلِكَ نَسْخًا ،
فَالْمَسِيحُ وَمُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْسَخَا شَيْئًا ، بَلْ كَانَ شَرْعُ
مُوسَى إِلَى مَجِيءِ
الْمَسِيحِ ، وَشَرْعُ
الْمَسِيحِ إِلَى مَجِيءِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - .
وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنْ
أَشْعِيَا عَنِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ : فَإِذَا ظَهَرْتَ إِلَى الْأُمَمِ فَهَذَا قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ
النَّصَارَى وَبِأَمْثَالِهِ مِنْ كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - عَلَى الْحُلُولِ الَّذِي ابْتَدَعُوهُ ، وَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ
أَهْلِ الْكِتَابِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَلَا يُرَادُ بِشَيْءٍ مِنْهَا حُلُولُ ذَاتِ اللَّهِ فِي أَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ ، كَمَا ذُكِرَ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
[ ص: 145 ] اسْتَعْلَنَ
لِإِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ ، وَأَنَّ اللَّهَ يَأْتِي مِنْ
طُورِ سَيْنَاءَ ، وَيُشْرِفُ مِنْ
سَاعِيرَ ، وَيَسْتَعْلِنُ مِنْ
جِبَالِ فَارَانَ .
وَمَعْلُومٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْمِلَلِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ - تَعَالَى - لَمْ يَحِلَّ فِي
مُوسَى وَغَيْرِهِ لَمَّا كَلَّمَهُ ، وَلَا يَحِلُّ فِي شَيْءٍ مِنْ
جِبَالِ فَارَانَ مَعَ إِخْبَارِهِ أَنَّهُ اسْتَعْلَنَ مِنْهَا .
وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=33nindex.php?page=treesubj&link=29032هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ .
فَأَظْهَرَهُ بِالْعِلْمِ وَالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ ، وَأَظْهَرَهُ بِالْيَدِ وَالسِّنَانِ ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَغَيْرُهُ : مَثَلُ نُورِهِ فِي قَلْبِ
[ ص: 146 ] الْمُؤْمِنِ .
وَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=28يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ .
وَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا .
وَفِي
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيِّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=665422nindex.php?page=treesubj&link=25969اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ [ ص: 147 ] بِنُورِ اللَّهِ ، ثُمَّ قَرَأَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=75إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ تُضِيءُ لِأَهْلِ السَّمَاوَاتِ كَمَا تُضِيءُ الْكَوَاكِبُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ .
وَالْمَخْلُوقُ الَّذِي تَظْهَرُ مَحَبَّتُهُ وَذِكْرُهُ وَطَاعَتُهُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ ، يُقَالُ فُلَانٌ قَدْ ظَهَرَ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ ، فَإِذَا ظَهَرَ ذِكْرُ اللَّهِ وَذِكْرُ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَتَوْحِيدُهُ وَآيَاتُهُ وَعِبَادَتُهُ حَتَّى امْتَلَأَتِ الْقُلُوبُ بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُمْتَلِئَةً بِظُلْمَةِ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ ، كَانَ ذَلِكَ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ ظُهُورِهِ ، وَهَذَا أَعْظَمُ مَا يَكُونُ فِي بُيُوتِهِ الَّتِي يُعْبَدُ فِيهَا وَيُذْكَرُ فِيهَا اسْمُهُ .
وَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ - تَعَالَى - آيَةَ النُّورِ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .
[ ص: 148 ] قَالَ عَقِبَ ذَلِكَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=36فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ .
وَكَذَلِكَ مَا فِي الْكُتُبِ مِنْ ظُهُورِهِ
بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَهُوَ كَظُهُورِهِ بِطُورِ سَيْنَاءَ وَبِجَبَلِ فَارَانَ ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَرَهُ
مُوسَى وَلَا غَيْرُهُ ، لَا مُجَرَّدًا وَلَا حَالًّا فِي غَيْرِهِ وَقَدْ أَخْبَرَ
الْمَسِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ ، كَمَا أَخْبَرَ غَيْرُهُ وَذَلِكَ نَفْيٌ عَامٌّ يُوجِبُ أَنَّهُ لَا يُرَى لَا مُجَرَّدًا ، وَلَا حَالًّا فِي دَارِ الدُّنْيَا كَمَا قَدْ بُسِطَ هَذَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُلَابَسَةَ الشَّيْءِ أَبْلَغُ مِنْ رُؤْيَتِهِ فَإِذَا كَانَ الرَّبُّ - تَعَالَى - لَا يَرَاهُ نَاسُوتٌ فَأَنْ لَا يُلَابِسَهُ نَاسُوتٌ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى
وَالنَّصَارَى يَزْعُمُونَ أَنَّهُ اتَّحَدَ هُوَ وَالنَّاسُوتُ وَهَذَا أَعْظَمُ مِنَ الرُّؤْيَةِ .