[ ص: 151 ] قالوا : وأيضا في قول هذا الإنسان مما أتى في كتابه حيث اتبع القول أنه لم يرسل إلينا مع تشككه فيما أتى به في هذا الكتاب في سورة سبأ حيث يقول :
وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين .
وأيضا في سورة الأحقاف يقول :
وما أدري ما يفعل بي ولا بكم .
والجواب : أن ، بل وإلى الجن والإنس ، وليس فيه قط أنه لم يرسل إلى أهل الكتاب ، بل فيه التصريح بدعوة نقلهم عنه أنه قال : إنه لم يرسل إليهم كذب ظاهر عليه ، فإن كتابه مملوء بدعوتهم وأمره لهم بالإيمان به واتباعه ، بل وبعموم رسالته إلى جميع الناس أهل الكتاب في غير موضع كقوله - تعالى - :
قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون .
[ ص: 152 ] وقد كتب النبي بهذه الآية إلى قيصر ملك النصارى الذي اسمه هرقل بالشام ، وقد تقدم ذكر ذلك ، وتقدم أيضا أن قوله - تعالى - :
لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون .
يقتضي أنه لم ينذر الأميين ، وليس فيه أنه لا ينذر غيرهم ، كما أن قوله :
وأنذر عشيرتك الأقربين .
يقتضي إنذار قومه ولا ينافي أن ينذر غيرهم من العرب كما أن قوله في قريش :
فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف .
لا يمنع أن يكون غير قريش مأمورين بعبادة رب هذا البيت ، بل . أمر الله جميع الثقلين : الجن والإنس أن يعبدوا رب هذا البيت
فإن قيل : فقد سكت عن ما سوى الأميين في هذا ، فيشعر بالنفي بدليل الخطاب الذي يسمى مفهوم المخالفة ، قيل ذاك إنما يدل إذا [ ص: 153 ] لم يكن في التخصيص فائدة سوى الاختصاص بالحكم ، ولم يكن هنا تصريح بأن حكم المسكوت كحكم المنطوق ، وهنا لما بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، أمره أن ينذر عشيرته الأقربين أولا ، ثم ينذر العرب الأميين ثم أهل الكتاب والمجوس وغيرهم ، وقد تقدم بسط هذا .