الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 151 ] قالوا : وأيضا في قول هذا الإنسان مما أتى في كتابه حيث اتبع القول أنه لم يرسل إلينا مع تشككه فيما أتى به في هذا الكتاب في سورة سبأ حيث يقول :

وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين .

وأيضا في سورة الأحقاف يقول :

وما أدري ما يفعل بي ولا بكم .

والجواب : أن نقلهم عنه أنه قال : إنه لم يرسل إليهم كذب ظاهر عليه ، فإن كتابه مملوء بدعوتهم وأمره لهم بالإيمان به واتباعه ، بل وبعموم رسالته إلى جميع الناس ، بل وإلى الجن والإنس ، وليس فيه قط أنه لم يرسل إلى أهل الكتاب ، بل فيه التصريح بدعوة أهل الكتاب في غير موضع كقوله - تعالى - :

قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون .

[ ص: 152 ] وقد كتب النبي بهذه الآية إلى قيصر ملك النصارى الذي اسمه هرقل بالشام ، وقد تقدم ذكر ذلك ، وتقدم أيضا أن قوله - تعالى - :

لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون .

يقتضي أنه لم ينذر الأميين ، وليس فيه أنه لا ينذر غيرهم ، كما أن قوله :

وأنذر عشيرتك الأقربين .

يقتضي إنذار قومه ولا ينافي أن ينذر غيرهم من العرب كما أن قوله في قريش :

فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف .

لا يمنع أن يكون غير قريش مأمورين بعبادة رب هذا البيت ، بل أمر الله جميع الثقلين : الجن والإنس أن يعبدوا رب هذا البيت .

فإن قيل : فقد سكت عن ما سوى الأميين في هذا ، فيشعر بالنفي بدليل الخطاب الذي يسمى مفهوم المخالفة ، قيل ذاك إنما يدل إذا [ ص: 153 ] لم يكن في التخصيص فائدة سوى الاختصاص بالحكم ، ولم يكن هنا تصريح بأن حكم المسكوت كحكم المنطوق ، وهنا لما بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، أمره أن ينذر عشيرته الأقربين أولا ، ثم ينذر العرب الأميين ثم أهل الكتاب والمجوس وغيرهم ، وقد تقدم بسط هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية