الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 154 ] وأما قولهم مع تشككه فيما أتى به فمن الكذب البين فإنه - تعالى - قال :

قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ( 22 ) ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ( 23 ) قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ( 24 ) قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون ( 25 ) قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم .

فإنه لما دعاهم إلى التوحيد وبين أن ما يدعونه من دون الله لا يملك مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ، ولا هو شريك ، ولا هو ظهير ولا ينفع شفيع إلا بإذنه ، نفى بذلك جميع وجوه الشرك ، فإن ما يشرك به إما أن يكون له ملك أو شريك في الملك ، أو يكون معينا ، فإذا انتفت الثلاثة لم يبق إلا الشفاعة التي هي دعاء لك [ ص: 155 ] ومسألة وتلك لا تنفع عنده إلا لمن أذن له .

ثم ذكر بعد هذا أنه لا رازق يرزق من السماء والأرض إلا الله دل بهذا وهذا على التوحيد ، كما في قوله :

وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ( 53 ) ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ( 54 ) ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون .

فلما ذكر ما دل على وجوب توحيده ، وبيان أن أهل التوحيد هم على الهدى ، وأن أهل الشرك على الضلال قال :

وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين .

يقول : إن أحد الفريقين أهل التوحيد الذين لا يعبدون إلا الله ، وأهل الشرك لعلى هدى أو في ضلال مبين .

وهذا من الإنصاف في الخطاب الذي كل من سمعه من ولي وعدو قال لمن خوطب به قد أنصفك صاحبك ، كما يقول العادل الذي ظهر عدله للظالم الذي ظهر ظلمه : الظالم إما أنا وإما أنت ، لا للشك في الأمر الظاهر ، ولكن لبيان أن أحدنا ظالم ظاهر الظلم ، وهو أنت لا أنا .

[ ص: 156 ] فإنه إذا قيل : أهل التوحيد الذين يعبدون الله على هدى ، أو في ضلال مبين ، وأهل الشرك الذين يعبدون ما لا يضر ولا ينفع على هدى أو في ضلال مبين .

تبين أن أهل التوحيد على الهدى ، وأهل الشرك على الضلال ، وهذا مما يعلمه جميع الملل من المسلمين واليهود والنصارى ، يعلمون أن أهل التوحيد على الهدى ، وأهل الشرك على الضلال .

وفي القرآن في بيان مثل هذا ما لا يحصى إلا بكلفة ، بل قطب القرآن وسائر الكتب ومدارها على عبادة الله وحده ، فكيف يقال إن الرسول كان يشك هل المهتدى هم أهل التوحيد أم أهل الشرك ؟ وهل يقول هذا إلا من هو في غاية الجهل والعناد .

( ثم الآية خطاب للمشركين ليست خطابا للنصارى خصوصا ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية