[ ص: 154 ] وأما قولهم مع تشككه فيما أتى به فمن الكذب البين فإنه - تعالى - قال :
قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ( 22 ) ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ( 23 ) قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ( 24 ) قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون ( 25 ) قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم .
فإنه لما دعاهم إلى التوحيد وبين أن ما يدعونه من دون الله لا يملك مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ، ولا هو شريك ، ولا هو ظهير ولا ينفع شفيع إلا بإذنه ، نفى بذلك جميع وجوه الشرك ، فإن ما يشرك به إما أن يكون له ملك أو شريك في الملك ، أو يكون معينا ، فإذا انتفت الثلاثة لم يبق إلا الشفاعة التي هي دعاء لك [ ص: 155 ] ومسألة وتلك لا تنفع عنده إلا لمن أذن له .
ثم ذكر بعد هذا أنه دل بهذا وهذا على التوحيد ، كما في قوله : لا رازق يرزق من السماء والأرض إلا الله
وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ( 53 ) ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ( 54 ) ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون .
فلما ذكر ما دل على وجوب توحيده ، قال : وبيان أن أهل التوحيد هم على الهدى ، وأن أهل الشرك على الضلال
وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين .
يقول : إن أحد الفريقين أهل التوحيد الذين لا يعبدون إلا الله ، وأهل الشرك لعلى هدى أو في ضلال مبين .
وهذا من الإنصاف في الخطاب الذي كل من سمعه من ولي وعدو قال لمن خوطب به قد أنصفك صاحبك ، كما يقول العادل الذي ظهر عدله للظالم الذي ظهر ظلمه : الظالم إما أنا وإما أنت ، لا للشك في الأمر الظاهر ، ولكن لبيان أن أحدنا ظالم ظاهر الظلم ، وهو أنت لا أنا .
[ ص: 156 ] فإنه إذا قيل : أهل التوحيد الذين يعبدون الله على هدى ، أو في ضلال مبين ، وأهل الشرك الذين يعبدون ما لا يضر ولا ينفع على هدى أو في ضلال مبين .
تبين أن أهل التوحيد على الهدى ، وأهل الشرك على الضلال ، وهذا مما يعلمه جميع الملل من المسلمين واليهود والنصارى ، يعلمون أن أهل التوحيد على الهدى ، وأهل الشرك على الضلال .
وفي القرآن في بيان مثل هذا ما لا يحصى إلا بكلفة ، بل وهل يقول هذا إلا من هو في غاية الجهل والعناد . قطب القرآن وسائر الكتب ومدارها على عبادة الله وحده ، فكيف يقال إن الرسول كان يشك هل المهتدى هم أهل التوحيد أم أهل الشرك ؟
( ثم الآية خطاب للمشركين ليست خطابا للنصارى خصوصا ) .