باب بيع أراضي مكة وإجارة بيوتها قال الله تعالى : والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد [ ص: 61 ] روى إسماعيل بن مهاجر عن أبيه عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عبد الله بن عمر مكة مناخ لا تباع رباعها ولا تؤاجر بيوتها .
وروى عن سعيد بن جبير قال : " كانوا يرون ابن عباس الحرم كله مسجدا سواء العاكف فيه والبادي " .
وروى عن يزيد بن أبي زياد عبد الرحمن بن سابط : سواء العاكف فيه والباد قال : " من يجيء من الحاج والمعتمرين سواء في المنازل ينزلون حيث شاءوا غير أن لا يخرج من بيته ساكنه " قال : وقال في قوله : ابن عباس سواء العاكف فيه والباد قال : العاكف فيه أهله ، والباد من يأتيه من أرض أخرى وأهله في المنزل سواء ، وليس ينبغي لهم أن يأخذوا من البادي إجارة المنزل .
وروى عن جعفر بن عون عن الأعمش إبراهيم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مكة حرمها الله لا يحل بيع رباعها ولا إجارة بيوتها .
وروى عن أبو معاوية عن الأعمش عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله . مجاهد
وروى عن عيسى بن يونس عمر بن سعيد بن أبي حسين عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة بن نضلة قال : " كانت رباع مكة في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمان أبي بكر وعمر تسمى السوائب من احتاج سكن ومن استغنى سكن " . وعثمان
وروى عن الثوري منصور عن قال : قال مجاهد : " يا أهل عمر مكة لا تتخذوا لدوركم أبوابا لينزل البادي حيث شاء " . وروى عبيد الله عن عن نافع : " أن ابن عمر نهى أهل عمر مكة أن يغلقوا أبواب دورهم دون الحاج " .
وروى عن ابن أبي نجيح قال : " من أكل كراء بيوت عبد الله بن عمر مكة فإنما أكل نارا في بطنه " .
وروى عن عثمان بن الأسود قال : " يكره عطاء مكة وكراؤها " . وروى بيع بيوت عن ليث القاسم قال : " من أكل كراء بيوت مكة فإنما يأكل نارا " .
وروى عن معمر عن ليث عطاء وطاوس : " كانوا يكرهون أن يبيعوا شيئا من رباع ومجاهد مكة " .
قال : قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ما ذكرنا ، وروي عن الصحابة والتابعين ما وصفنا من كراهة بيع بيوت أبو بكر مكة وأن الناس كلهم فيها سواء ، وهذا يدل على أن تأويلهم لقوله تعالى : والمسجد الحرام للحرم كله . وقد روي عن قوم إباحة بيع بيوت مكة وكراؤها ، وروى عن ابن جريج هشام بن حجير قال : كان لي بيت بمكة فكنت أكريه ، فسألت فأمرني بأكله . طاوسا
وروى عن ابن أبي نجيح مجاهد : وعطاء سواء العاكف فيه والباد قالا : " سواء في تعظيم البلد وتحريمه " وروى عن عمرو بن دينار عبد الرحمن بن فروخ قال : " اشترى نافع بن عبد الحارث دار السجن من لعمر بن الخطاب بأربعة آلاف درهم [ ص: 62 ] فإن رضي صفوان بن أمية فالبيع له وإن لم يرض عمر عمر فلصفوان أربعمائة درهم " زاد عبد الرحمن عن : " فأخذها معمر " . وقال عمر : " لا بأس ببيع بناء بيوت أبو حنيفة مكة وأكره بيع أراضيها " وروى سليمان عن محمد عن قال : " أكره إجارة بيوت أبي حنيفة مكة في الموسم وفي الرجل يقيم ثم يرجع ، فأما المقيم والمجاور فلا نرى بأخذ ذلك منهم بأسا " .
وروى عن الحسن بن زياد أن بيع دور أبي حنيفة مكة جائز .
قال : لم يتأول هؤلاء أبو بكر السلف المسجد الحرام على الحرم كله إلا والاسم شامل له من طريق الشرع ، إذ غير جائز أن يتأول الآية على معنى لا يحتمله اللفظ ، وفي ذلك دليل على أنهم قد علموا وقوع اسم المسجد على الحرم من طريق التوقيف ، ويدل عليه قوله تعالى : إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام والمراد فيما روي : الحديبية ، وهي بعيدة من المسجد قريبة من الحرم ، وروي أنها على شفير الحرم .
وروى المسور بن مخرمة : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مضربه في الحل ومصلاه في ومروان بن الحكم الحرم " وهذا يدل على أنه بالمسجد الحرام ههنا الحرم كله ، ويدل عليه قوله تعالى : أراد يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والمراد إخراج المسلمين من مكة حين هاجروا إلى المدينة ، فجعل المسجد الحرام عبارة عن الحرم . ويدل على أن المراد جميع الحرم كله قوله تعالى : ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم والمراد به من الحرم بالظلم فيه . وإذا ثبت ذلك اقتضى قوله : انتهك حرمة سواء العاكف فيه والباد تساوي الناس كلهم في سكناه والمقام به .
فإن قيل : يحتمل أن يريد به أنهم متساوون في وجوب اعتقاد تعظيمه وحرمته . قيل له : هو على الأمرين جميعا من اعتقاد تعظيمه وحرمته ومن تساويهم في سكناه والمقام به ، وإذا ثبت ذلك وجب أن لا يجوز بيعه ؛ لأن لغير المشتري سكناه كما للمشتري فلا يصح للمشتري تسلمه والانتفاع به حسب الانتفاع بالأملاك ، وهذا يدل على أنه غير مملوك ، وأما إجارة البيوت فإنما أجازها إذا كان البناء ملكا للمؤاجر فيأخذ أجرة ملكه ، فأما أجرة الأرض فلا تجوز ، وهو مثل بناء الرجل في أرض لآخر يكون لصاحب البناء إجارة البناء . أبو حنيفة