باب فرض الجهاد قال الله تعالى : وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين قال : لم تختلف الأمة أن أبو بكر بقوله : القتال كان محظورا قبل الهجرة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وقوله : فاعف عنهم واصفح وقوله : وجادلهم بالتي هي أحسن وقوله : فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين وقوله : وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما
وروى ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، أن ابن عباس وأصحابا له كانت أموالهم عبد الرحمن بن عوف بمكة فقالوا : يا رسول الله كنا في عزة ونحن مشركون [ ص: 320 ] فلما آمنا صرنا أذلاء ، فقال صلى الله عليه وسلم : إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم فلما حوله إلى المدينة أمروا بالقتال فكفوا ، فأنزل الله : ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس
وحدثنا جعفر بن محمد الواسطي قال : حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد بن اليمان قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا ، عن عبد الله بن صالح علي بن أبي طلحة ، عن في قوله عز وجل : ابن عباس لست عليهم بمصيطر وقوله : وما أنت عليهم بجبار وقوله : فاعف عنهم واصفح وقوله : قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله قال : نسخ هذا كله قوله تعالى : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقوله تعالى : قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر إلى قوله : صاغرون .
وقد اختلف السلف في ، فروي عن أول آية نزلت في القتال وغيره أن قوله : الربيع بن أنس وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم أول آية نزلت .
وروي عن جماعة آخرين ، منهم أبو بكر الصديق والزهري : أن أول آية نزلت في القتال وسعيد بن جبير أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا الآية ؛ وجائز أن يكون وقاتلوا في سبيل الله أول آية نزلت في إباحة قتال من قاتلهم ، والثانية في الإذن في القتال عامة لمن قاتلهم ومن لم يقاتلهم من المشركين .
وقد اختلف في معنى قوله : وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم فقال : " هي أول آية نزلت في القتال الربيع بن أنس بالمدينة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقاتل من قاتله من المشركين ويكف عمن كف عنه إلى أن أمر بقتال الجميع ، قال : وهو عنده بمنزلة قوله : أبو بكر فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وقال محمد بن جعفر بن الزبير أمر بقتال أبو بكر الشمامسة ؛ لأنهم يشهدون القتال وأن الرهبان من رأيهم أن لا يقاتلوا ، فأمر رضي الله عنه عنه بأن لا يقاتلوا " وقد قال الله تعالى : أبو بكر وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم فكانت الآية على تأويله ثابتة الحكم ليس فيها نسخ ، وعلى قول أن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين كانوا مأمورين بعد نزول الآية بقتال من قاتل دون من كف ، سواء كان ممن يتدين بالقتال أو لا يتدين . الربيع بن أنس
وروي عن في قوله : عمر بن عبد العزيز وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم أنه في النساء والذرية ومن لم ينصب لك الحرب منهم ، كأنه ذهب إلى أن المراد به من لم يكن من أهل القتال في الأغلب لضعفه وعجزه ؛ لأن ذلك حال النساء والذرية ؛ وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 321 ] في آثار شائعة النهي عن قتل النساء والولدان .
وروي عنه أيضا النهي عن قتل أصحاب الصوامع رواه عن داود بن الحصين عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن كان معنى الآية على ما قال ابن عباس أنه أمر فيها بقتال من قاتل والكف عمن لا يقاتل ، فإن قوله : الربيع بن أنس قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ناسخ لمن يلي ، وحكم الآية كان باقيا فيمن لا يلينا منهم ، ثم لما نزل قوله : واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم إلى قوله : ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام فكان ذلك أعم2 من الأول الذي فيه الأمر بقتال من يلينا دون من لا يلينا ، إلا أن فيه ضربا من التخصيص بحظره القتال عند المسجد الحرام إلا على شرط أن يقاتلونا فيه بقوله : ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم ثم أنزل الله فرض كافة بقوله : قتال المشركين وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة وقوله : كتب عليكم القتال وهو كره لكم وقوله تعالى : فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم فمن الناس من يقول إن قوله : ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام منسوخ بقوله : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ومنهم من يقول : هذا الحكم ثابت ، لا يقاتل في الحرم إلا من قاتل ، ويؤيد ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم فتح مكة : مكة حرام حرمها الله يوم خلق السموات والأرض فإن ترخص مترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، فإنما أحلت له ساعة من نهار ثم عادت حراما إلى يوم القيامة فدل ذلك على أن حكم الآية باق غير منسوخ وأنه لا يحل أن نبتدئ فيها بالقتال لمن لم يقاتل ، وقد كان القتال محظورا في الشهر الحرام بقوله : إن يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد ثم نسخ بقوله فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ومن الناس من يقول : هو غير منسوخ والحظر باق .
وأما قوله : واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم فإنه أمر بقتل المشركين إذا أظفرنا بهم ، وهي عامة في ؛ لأنه لا خلاف أن قتل النساء والذراري محظور ، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وعن قتل أهل الصوامع فإن كان المراد بقوله : قتال سائر المشركين من قاتلنا منهم ومن لم يقاتلنا بعد أن يكونوا من أهل القتال وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم الأمر بقتال من قاتلنا ممن هو من أهل القتال دون من كف عنا منهم ، وكان قوله : ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين نهيا عن قتال من لم يقاتلنا ، فهي لا محالة [ ص: 322 ] منسوخة بقوله : واقتلوهم حيث ثقفتموهم لإيجابه قتل من حظر قتله في الآية الأولى بقوله : وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إذ كان الاعتداء في هذا الموضع هو قتال من لم يقاتل ، وقوله : وأخرجوهم من حيث أخرجوكم يعني والله أعلم : من مكة إن أمكنكم ذلك ؛ لأنهم قد كانوا آذوا المسلمين بمكة حتى اضطروهم إلى الخروج فكانوا مخرجين لهم ، وقد قال الله تعالى : وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك فأمرهم الله تعالى عند فرضه القتال بإخراجهم إذا تمكنوا من ذلك ؛ إذ كانوا منهيين عن القتال فيها إلا أن يقاتلوهم ، فيكون قوله : واقتلوهم حيث ثقفتموهم عاما في سائر المشركين إلا فيمن كان بمكة ، فإنهم أمروا بإخراجهم منها إلا لمن قاتلهم ، فإنه أمر بقتالهم حينئذ ؛ والدليل على ذلك قوله في نسق التلاوة : ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فثبت أن قوله : واقتلوهم حيث ثقفتموهم فيمن كان بغير مكة .