قوله (تعالى): إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ؛ الآيات التي فيها من جهات؛ إحداها تعاقب الأعراض المتضادة عليها؛ مع استحالة وجودها عارية منها؛ والأعراض محدثة؛ وما لم يسبق المحدث فهو محدث؛ وقد دلت أيضا على أن خالق الأجسام لا يشبهها; لأن الفاعل لا يشبه فعله؛ وفيها الدلالة على أن خالقها قادر؛ لا يعجزه شيء؛ إذ كان خالقها وخالق الأعراض المضمنة بها؛ وهو قادر على أضدادها؛ إذ ما ليس بقادر يستحيل منه الفعل؛ ويدل على أن فاعلها قديم؛ لم يزل; لأن صحة وجودها متعلقة بصانع قديم؛ لولا ذلك لاحتاج الفاعل إلى فاعل آخر؛ إلى ما لا نهاية له؛ ويدل على أن صانعها عالم من حيث استحال وجود الفعل المتقن المحكم إلا من عالم به قبل أن يفعله؛ ويدل على أنه حكيم عدل; لأنه مستغن عن فعل القبيح؛ عالم بقبحه فلا تكون أفعاله إلا [ ص: 335 ] عدلا وصوابا؛ ويدل على أنه لا يشبهها; لأنه لو أشبهها لم يخل من أن يشبهها من جميع الوجوه؛ أو من بعضها؛ فإن أشبهها من جميع الوجوه فهو محدث مثلها؛ وإن أشبهها من بعض الوجوه فواجب أن يكون محدثا من ذلك الوجه; لأن حكم المشبهين واحد؛ من حيث اشتبها؛ فوجب أن يتساويا في حكم الحدوث من ذلك الوجه؛ ويدل وقوف السماوات والأرض من غير عمد على أن ممسكها لا يشبهها؛ لاستحالة وقوفها من غير عمد من جسم مثلها؛ إلى غير ذلك من الدلائل المضمنة بها؛ ودلالة الليل والنهار على الله (تعالى) أن ومعلوم أن الأجسام لا تقدر على إيجادها؛ ولا على الزيادة والنقصان فيها؛ وقد اقتضيا محدثا؛ من حيث كانا محدثين؛ لاستحالة وجود حادث لا محدث له؛ فوجب أن محدثهما ليس بجسم؛ ولا مشبه للأجسام؛ لوجهين؛ أحدهما أن الأجسام لا تقدر على إحداث مثلها؛ والثاني أن المشبه للجسم يجري عليه ما يجري عليه من حكم الحدوث؛ فلو كان فاعلها حادثا لاحتاج إلى محدث؛ ثم كذلك يحتاج الثاني إلى الثالث؛ إلى ما لا نهاية له؛ وذلك محال؛ فلا بد من إثبات صانع قديم لا يشبه الأجسام؛ والله أعلم. الليل والنهار محدثان؛ لوجود كل واحد منهما بعد أن لم يكن موجودا؛