قوله تعالى : الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله قيل في في اللغة : إنه مشقة الإعطاء ، وقيل : البخل منع ما لا ينفع منعه ولا يضر بذله . وقيل : البخل منع الواجب ، ونظيره الشح ، ونقيضه الجود . وقد عقل من معناه في أسماء الدين أنه منع الواجب . ويقال : إنه لا يصح إطلاقه في الدين إلا على جهة أن فاعله قد أتى كبيرة بالمنع قال الله تعالى : معنى البخل ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة فأطلق الوعيد على من بخل بحق الله الذي أوجبه في ماله .
وأما قوله تعالى : ويكتمون ما آتاهم الله من فضله فإنه قد روي عن ابن عباس ومجاهد أنها نزلت في والسدي اليهود إذ بخلوا بما أعطوا من الرزق . وكتموا ما أوتوا من العلم بصفة محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : هو فيمن كان بهذه الصفة وفيمن كتم نعم الله وأنكرها ، وذلك كفر بالله تعالى .
قال : أبو بكر واجب وجاحدها كافر ، وأصل الكفر إنما هو من تغطية نعم الله تعالى وكتمانها وجحودها . وهذا يدل على أنه جائز الاعتراف بنعم الله تعالى ، لا على جهة الفخر بل على جهة الاعتراف بالنعمة والشكر للمنعم ، وهو كقوله : للإنسان أن يتحدث بنعم الله عنده وأما بنعمة ربك فحدث وقال النبي صلى الله عليه وسلم : أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، وأنا أفصح العرب ولا فخر فأخبر بنعم الله عنده وأبان أنه ليس إخباره بها على وجه الافتخار .
وقال صلى الله عليه وسلم : يونس بن متى وقد كان صلى الله عليه وسلم خيرا منه ، ولكنه نهى أن يقال ذلك على وجه الافتخار . وقال تعالى : لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلا يمدح رجلا فقال : لو سمعك لقطعت ظهره . ورأى المقداد رجلا يمدح في وجهه فحثا في وجهه التراب وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : عثمان . وقد روي : إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب . فهذا إذا كان على وجه الفخر فقد كره ، وأما أن يتحدث بنعم الله عنده أو يذكرها غيره بحضرته فهذا نرجو أن لا يضر ؛ إلا أن أصلح الأشياء لقلب الإنسان أن لا يغتر بمدح الناس له ولا يعتد به . إياكم والتمادح فإنه الذبح