وقوله تعالى : والجروح قصاص يعني إيجاب التي يمكن استيفاء المثل فيها . ودل به على نفي القصاص فيما لا يمكن استيفاء المثل فيه لأن قوله : القصاص في سائر الجراحات والجروح قصاص يقتضي أخذ المثل سواء ، ومتى لم يكن مثله فليس بقصاص .
وقد اختلف الفقهاء في أشياء من ذلك ، منها ، وقد بيناه في سورة البقرة ، وكذلك بين العبيد والأحرار . القصاص بين الرجال والنساء فيما دون النفس
ذكر الخلاف في ذلك : قال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد ومالك : " لا تؤخذ اليمنى باليسرى لا في العين ولا في اليد ، ولا تؤخذ السن إلا بمثلها من الجاني " . والشافعي
وقال " تفقأ العين اليمنى باليسرى واليسرى باليمنى وكذلك اليدان ، وتؤخذ الثنية بالضرس والضرس بالثنية " . وقال ابن شبرمة : " إذا قطع أصبعا من كف فلم يكن للقاطع من تلك الكف أصبع مثلها قطع مما يلي تلك الأصبع ، ولا يقطع أصبع كف بأصبع كف أخرى ، وكذلك تقلع السن التي تليها إذا لم تكن للقاطع سن مثلها وإن بلغ ذلك الأضراس ، وتفقأ العين اليمنى باليسرى إذا لم تكن له يمنى ، ولا تقطع اليد اليمنى باليسرى ولا اليسرى باليمنى " . الحسن بن صالح
قال : لا خلاف أنه إذا كان ذلك العضو من الجاني باقيا ، لم يكن للمجني عليه استيفاء القصاص من غيره ولا يعدو ما قابله من عضو الجاني إلى غيره مما بإزائه وإن تراضيا به ، فدل ذلك على أن المراد بقوله تعالى : أبو بكر والعين بالعين إلى آخر الآية استيفاء مثله مما يقابله من الجاني ، فغير جائز إذا كان كذلك أن يتعدى إلى غيره ، سواء كان مثله موجودا من الجاني أو معدوما ، ألا ترى أنه إذا لم يكن له أن يعدو اليد إلى الرجل لم يختلف حكمه أن تكون [ ص: 96 ] يد الجاني موجودة أو معدومة في امتناع تعديه إلى الرجل ؟ وأيضا فإن القصاص استيفاء المثل ، وليست هذه الأعضاء مماثلة ، فغير جائز أن يستوعبها ولم يختلفوا أن اليد الصحيحة لا تؤخذ بالشلاء وأن الشلاء تؤخذ بالصحيحة ، وذلك لقوله تعالى : والجروح قصاص وفي أخذ الصحيحة بالشلاء استيفاء أكثر مما قطع ؛ وأما أخذ الشلاء بالصحيحة فهو جائز لأنه رضي بدون حقه .
واختلف في فقال القصاص في العظم ، أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف : " لا قصاص في عظم ما خلا السن " . وقال ومحمد الليث مثل ذلك ، ولم يستثنيا السن . وقال والشافعي عن ابن القاسم : عظام الجسد كلها فيها القود إلا ما كان منها مجوفا مثل الفخذ وما أشبهه فلا قود فيه ، وليس في الهاشمة قود وكذلك المنقلة ، وفي الذراعين والعضد والساقين والقدمين والكعبين والأصابع إذا كسرت ففيها القصاص " . وقال مالك : " ليس في المأمومة قصاص " . قال الأوزاعي : لما اتفقوا على نفي القصاص في عظم الرأس كذلك سائر العظام ، وقال الله تعالى : أبو بكر والجروح قصاص وذلك غير ممكن في العظام . وروى عن حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار : أنه اقتص من مأمومة ، فأنكر ذلك عليه ؛ ومعلوم أن المنكرين كانوا الصحابة ولا خلاف أيضا أنه لو ضرب أذنه فيبست أنه لا يضرب أذنه حتى تيبس ؛ لأنه لا يوقف على مقدار جنايته ؛ فكذلك العظام . وقد بينا وجوب ابن الزبير فيما تقدم . القصاص في السن