قوله تعالى : وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة قال : إنما قال تعالى : أبو بكر فتم ميقات ربه أربعين ليلة لأنه لما قال : ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر جاز أن يسبق إلى وهم بعض السامعين أنه كان عشرين ليلة ثم أتمها بعشر فصار ثلاثين ليلة ، فأزال هذا التوهم والتجوز وأخبر أنه أتم الثلاثين بعشر غيرها زيادة عليها .
قوله تعالى : قال رب أرني أنظر إليك قيل إنه سأل الرؤية على جهة استخراج الجواب لقومه لما قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ، ويدل عليه قوله تعالى : أتهلكنا بما فعل السفهاء منا وقيل : إنه سأله الرؤية التي هي علم الضرورة ، فبين الله تعالى له أن ذلك لا يكون في الدنيا .
فإن قيل : فلم جاز أن يسأل الرؤية وهي غير جائزة على الله تعالى ؟ وهل يجوز على هذا أن يسأله ما لا يجوز على الله تعالى من الظلم ؟ قيل له : لأنه لا شبهة في فعل الظلم أنه صفة نقص وذم فلا يجوز سؤال مثله ، وكذلك ما فيه شبهة ولا يظهر حكمه إلا بالدلالة ، وهذا إن كان سأل الرؤية من غير تشبيه على ما روي عن الحسن والربيع بن أنس وإن كان إنما سأل الرؤية التي هي علم الضرورة أو استخراج الجواب لقومه ، فهذا السؤال ساقط وقيل إن توبة والسدي موسى إنما كانت من التقدم بالمسألة قبل الإذن فيها ، ويحتمل أن يكون ذكر التوبة على وجه التسبيح على ما جرت عادة المسلمين بمثله عند ظهور دلائل الآيات الداعية إلى التعظيم . قوله تعالى : فلما تجلى ربه للجبل فإن التجلي على وجهين : ظهور بالرؤية أو الدلالة ؛ والرؤية مستحيلة في الله تعالى فهو ظهور آياته التي أحدثها لحاضري الجبل . وقيل : إنه أبرز من ملكوته للجبل ما يدكدك به ؛ لأن في حكمه تعالى أن الدنيا لا تقوم لما يبرز من الملكوت الذي في السماء ، كما روي أنه أبرز قدر الخنصر من العرش .