فأما قول الرازي: "لو كان بديهيا لامتنع اتفاق الجمع العظيم على إنكاره، وهم ما سوى الحنابلة والكرامية ".
فعنه أجوبة:
أحدها: أن يقال: من المعلوم أن هذا لا ينكره إلا من يقول بأن الله ليس داخل العالم ولا خارجه، وينكرون أن يكون الله نفسه فوق العالم، فإنهم يقولون: لو كان فوق العرش لكان مباينا له بالجهة مشارا إليه، وذلك ممتنع عندهم، فيجوزون وجود موجودين ليس أحدهما مباينا للآخر ولا مداخلا له، ووجود موجود قائم بنفسه لا يشار إليه، ويقولون: الباري ليس مباينا للعالم ولا مداخلا له.
وطائفة من الفلاسفة تقول مثل ذلك فيما تثبته من العقول والنفس الناطقة، ولهم في النفس الفلكية قولان.
[ ص: 114 ] وإذا كان كذلك، فجماهير الخلائق يخالفون هؤلاء، ويقولون بأن الله نفسه فوق العالم، وإذا كان الله نفسه فوق العالم، فإن كان ذلك مستلزما لجواز الإشارة إليه، وأن يكون مباينا للعالم بالجهة، فلازم الحق حق، وامتنع حينئذ وجود موجود لا مباين للعالم ولا محايث له ولا يشار إليه، وإن أمكن أن يكون هو نفسه فوق العالم، ويكون مع ذلك غير مشار إليه ولا مباين للعالم بالجهة- بطل قول هؤلاء النفاة، فإنهم إنما نفوا أن تكون نفسه فوق العالم؛ لأن ذلك عندهم مستلزم لكونه مشارا إليه، ومباينا للعالم بالجهة، وإذا بطل قولهم حصل المقصود، ولم يكن إلى هذه المقدمات الضرورية حاجة.
فالمقصود أنه لا يوافقهم على أنه ليس فوق العالم إلا أقل الناس، ومن لم يوافقهم على ذلك، فإما أن ينكر وجود موجودين: ليس أحدهما مباينا للآخر ولا محايثا له، وإما أن لا ينكر ذلك، فإن لم ينكر ذلك، مع إنكار قولهم بأنه ليس فوق العالم، كان إنكاره لقولهم أعظم من ترك إنكاره لما يبطل قولهم.
فإن المقصود ما يبطل قولهم، فإذا كان الناس: إما منكر له، وإما منكر لما يستلزم إبطاله، ثبت اتفاق جمهور الناس على إنكاره، وهو المطلوب.
ثم يقال: هذه القضية قد صرح أئمة الطوائف الذين كانوا قبل أن يخلق الله الكرامية والحنبلية بأنها قضية بديهية ضرورية، فمن ذلك ما [ ص: 115 ] ذكره عبد العزيز بن يحيى المكي المشهور صاحب "الحيدة" وهو من القدماء الذين لقوا ومن هو أقدم من الشافعي وهو من مشاهير متكلمي أهل السنة الذين اتفقت الشافعي، الأشعرية مع سائر الطوائف المثبتة على تعظيمه واتباعه.