في كتابي: "الإبانة" و"التمهيد" وغيرهما: "فإن قال قائل: أتقولون: إنه في كل مكان؟ قيل له: معاذ الله، بل هو مستو على عرشه، كما أخبر في كتابه، فقال: القاضي أبو بكر الباقلاني الرحمن على العرش استوى [سورة طه: 5]، وقال: وقال: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه [سورة فاطر: 10]، وقال: أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور [سورة الملك: 16].
[ ص: 207 ] ولو كان في كل مكان، لكان في بطن الإنسان وفمه والحشوش والمواضع التي نرغب عن ذكرها، ولوجب أن يزيد بزيادة الأمكنة إذا خلق منها ما لم يكن، وينقص بنقصانها إذا بطل منها ما كان، ولصح أن يرغب إليه إلى نحو الأرض، وإلى خلفنا، وإلى يميننا وشمائلنا، وهذا قد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله".
فقد وافق القاضي أبو بكر وأنكر أن يكون في كل مكان، وجعل مقابل ذلك أنه على العرش، لم يجعل مقابل ذلك أنه لا داخل العالم ولا خارجه، فإن الأقسام أربعة ليس لها خامس: إما أن يكون نفسه مباينا للعالم، وإما أن يكون مداخلا له، وإما أن يكون مباينا ومداخلا، وإما أن يكون لا مباينا ولا مداخلا. لأبي الحسن الأشعري،
فهؤلاء جعلوا مقابلة المداخلة؛ المباينة، ولم يقولوا: لا داخل العالم ولا خارجه، وهؤلاء أئمة طوائفهم.