في معرفة إعرابه
أفرده بالتصنيف خلائق .
منهم ، وكتابه في المشكل خاصة . مكي
والحوفي ; وهو أوضحها .
; وهو أشهرها . وأبو البقاء العكبري
والسمين ; وهو أجلها ، على ما فيه من حشو وتطويل ، ولخصه السفاقسي فحرره .
وتفسير أبي حيان مشحون بذلك .
معرفة المعنى ; لأن الإعراب يميز المعاني ويوقف على أغراض المتكلمين . ومن فوائد هذا النوع
أخرج أبو عبيد في فضائله ، عن ، قال : تعلموا اللحن والفرائض والسنن كما تعلمون القرآن . عمر بن الخطاب
وأخرج عن يحيى بن عتيق ، قال : قلت للحسن : يا أبا سعيد ، الرجل يتعلم العربية يلتمس بها حسن المنطق ، ويقيم بها قراءته ؟
قال : حسن يا ابن أخي فتعلمها ، فإن الرجل يقرأ الآية فيعيا بوجهها ، فيهلك فيها .
وعلى الناظر في كتاب الله تعالى - الكاشف عن أسراره - النظر في الكلمة وصيغتها ومحلها ، ككونها مبتدأ أو خبرا أو فاعلا أو مفعولا ، أو في مبادئ الكلام أو في جواب ، إلى غير ذلك .
: ويجب عليه مراعاة أمور
أحدها : وهو أول واجب عليه : أن يفهم معنى ما يريد أن يعربه مفردا أو مركبا قبل [ ص: 544 ] الإعراب ، فإنه فرع المعنى ، ولهذا لا يجوز إعراب فواتح السور إذا قلنا بأنها من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه .
وقالوا في توجيه نصب كلالة في قوله تعالى : وإن كان رجل يورث كلالة [ النساء : 12 ] : إنه يتوقف على المراد بها .
فإن كان اسما للميت فهو حال ، ( ويورث ) خبر كان أو صفة ، و ( كان ) تامة ، أو ناقصة و ( كلالة ) خبر .
أو للورثة فهو على تقدير مضاف ، أي : ذا كلالة ; وهو - أيضا - حال أو خبر كما تقدم . أو للقرابة فهو مفعول لأجله .
وقوله سبعا من المثاني [ الحجر : 87 ] : إن كان المراد بالمثاني القرآن ف ( من ) للتبعيض ، أو الفاتحة : فلبيان الجنس .
وقوله : إلا أن تتقوا منهم تقاة [ آل عمران : 28 ] . فإن كان بمعنى الاتقاء فهي مصدر ، أو بمعنى متقى - أي : أمرا يجب اتقاؤه - فمفعول به ، أو جمعا - كرماة - فحال .
وقوله غثاء أحوى [ الأعلى : 5 ] : إن أريد به الأسود من الجفاف واليبس فهو صفة لغثاء ، أو من شدة الخضرة فحال من المرعى .
قال ابن هشام : وقد زلت أقدام كثير من المعربين راعوا في الإعراب ظاهر اللفظ ، ولم ينظروا في موجب المعنى .
من ذلك قوله : أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء [ هود : 87 ] ، فإنه يتبادر إلى الذهن عطف أن نفعل على أن نترك ، وذلك باطل ; لأنه لم يأمرهم أن يفعلوا في أموالهم ما يشاءون ، وإنما هو عطف على ( ما ) فهو معمول للترك ، والمعنى أن نترك أن نفعل ، وموجب الوهم المذكور : أن المعرب يرى أن والفعل مرتين ، وبينهما حرف العطف .
الثاني : أن يراعي ما تقتضيه الصناعة ، فربما راعى المعرب وجها صحيحا ، ولا ينظر في صحته في الصناعة فيخطئ .
من ذلك قول بعضهم ( وثمود فما أبقى ) [ النجم : 51 ] : إن ثمود مفعول مقدم وهذا ممتنع ; لأن ل ( ما ) النافية الصدر ، فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، بل هو معطوف على [ ص: 545 ] ( عادا ) أو على تقدير : ( وأهلك ثمود ) .
وقول بعضهم في : لا عاصم اليوم من أمر الله [ هود : 43 ] ، لا تثريب عليكم اليوم [ يوسف : 92 ] : إن الظرف متعلق باسم ( لا ) وهو باطل ; لأن اسم ( لا ) حينئذ مطول ، فيجب نصبه وتنوينه ، وإنما هو متعلق بمحذوف .
وقول الحوفي : إن الباء من قوله : فناظرة بم يرجع المرسلون [ النمل : 35 ] متعلقة ب ( ناظرة ) ، وهو باطل ; لأن الاستفهام له الصدر ، بل هو متعلق بما بعده .
وكذا قول غيره في : ملعونين أينما ثقفوا [ الأحزاب : 61 ] : إنه حال من معمول ثقفوا أو أخذوا باطل ; لأن الشرط له الصدر ، بل هو منصوب على الذم .
الثالث : أن يكون ملما بالعربية ، لئلا يخرج على ما لم يثبت كقول أبي عبيدة في كما أخرجك ربك [ الأنفال : 5 ] : إن الكاف قسم ، حكاه وسكت عليه ، فشنع مكي عليه في سكوته . ويبطله : أن الكاف لم تجئ بمعنى واو القسم ، وإطلاق ( ما ) الموصولة على الله وربط الموصول بالظاهر - وهو فاعل أخرجك - وباب ذلك الشعر . ابن الشجري
وأقرب ما قيل في الآية : إنها مع مجرورها خبر محذوف ، أي : هذه الحال من تنفيلك الغزاة - على ما رأيت في كراهتهم لها - كحال إخراجك للحرب في كراهيتهم لها .
وكقول ابن مهران في قراءة : ( إن البقر تشابهت ) بتشديد التاء : إنه من زيادة التاء في أول الماضي ، ولا حقيقة لهذه القاعدة ، وإنما أصل القراءة ( إن البقرة تشابهت ) بتاء الوحدة ، ثم أدغمت في تاء ( تشابهت ) فهو إدغام من كلمتين .
الرابع : أن يتجنب الأمور البعيدة ، والأوجه الضعيفة ، واللغات الشاذة . ويخرج على القريب والقوي والفصيح ; فإن لم يظهر فيه إلا الوجه البعيد فله عذر ، وإن ذكر الجميع لقصد الإغراب والتكثير فصعب شديد ، أو لبيان المحتمل وتدريب الطالب فحسن في غير ألفاظ القرآن ، أما التنزيل : فلا يجوز أن يخرج إلا على ما يغلب على الظن إرادته ، فإن لم يغلب شيء فليذكر الأوجه المحتملة من غير تعسف .
ومن ثم خطئ من قال في ( وقيله ) [ الزخرف : 88 ] بالجر أو النصب : إنه عطف على لفظ الساعة أو محلها ، لما بينهما من التباعد ، والصواب أنه قسم أو مصدر ( قال ) مقدر .
[ ص: 546 ] ومن قال في : إن الذين كفروا بالذكر [ فصلت : 41 ] : إن خبره : أولئك ينادون من مكان بعيد [ فصلت : 44 ] والصواب : أنه محذوف .
ومن قال في : ص والقرآن ذي الذكر [ ص : 1 ] : إن جوابه إن ذلك لحق [ ص : 64 ] . والصواب أنه محذوف ، أي : ما الأمر كما زعموا ، أو : إنه لمعجز أو : إنك لمن المرسلين .
ومن قال في فلا جناح عليه أن يطوف [ البقرة : 158 ] : إن الوقف على جناح وعليه إغراء ; لأن إغراء الغائب ضعيف ، بخلاف القول بمثل ذلك في عليكم ألا تشركوا [ الأنعام : 151 ] ، فإنه حسن ; لأن إغراء المخاطب فصيح .
ومن قال في ليذهب عنكم الرجس أهل البيت [ الأحزاب : 33 ] : إنه منصوب على الاختصاص ; لضعفه بعد ضمير المخاطب ، والصواب : أنه منادى .
ومن قال في : تماما على الذي أحسن [ الأنعام : 154 ] . بالرفع إن أصله أحسنوا ، فحذفت الواو اجتزاء عنها بالضمة ; لأن باب ذلك الشعر ، والصواب تقدير مبتدإ ; أي : هو أحسن .
ومن قال في : وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم [ آل عمران : 120 ] بضم الراء المشددة ، إنه من باب :
إنك إن يصرع أخوك تصرع
لأن ذلك خاص بالشعر ، والصواب : أنها ضمة إتباع ، وهو مجزوم .
ومن قال في : وأرجلكم [ المائدة : 6 ] : إنه مجرور على الجوار ; لأن الجر على الجوار في نفسه ضعيف شاذ ، لم يرد منه إلا أحرف يسيرة ، والصواب : أنه معطوف على برءوسكم على أن المراد به مسح الخف .
قال ابن هشام : وقد يكون الموضع لا يتخرج إلا على وجه مرجوح ، فلا حرج على مخرجه ، كقراءة ( نجي المؤمنين ) [ الأنبياء : 88 ] قيل : الفعل ماض ، ويضعفه إسكان آخره ، وإنابة ضمير المصدر عن الفاعل مع وجود المفعول به .
وقيل : مضارع ، أصله ( ننجي ) بسكون ثانيه ، ويضعفه أن النون لا تدغم في الجيم . وقيل : أصله ( ننجي ) بفتح ثانيه وتشديد ثالثه ، فحذفت النون ، ويضعفه أن ذلك لا يجوز إلا في التاء .
[ ص: 547 ] الخامس : أن يستوفي جميع ما يحتمله اللفظ من الأوجه الظاهرة ، فتقول في نحو : ( سبح اسم ربك ) الأعلى [ الأعلى : 1 ] : يجوز كون الأعلى صفة للرب وصفة للاسم . وفي نحو : هدى للمتقين الذين [ البقرة : 2 - 3 ] يجوز كون ( الذين ) تابعا ، ومقطوعا إلى النصب بإضمار ( أعني ) أو ( أمدح ) وإلى الرفع بإضمار ( هم ) .
السادس : أن يراعي الشروط المختلفة بحسب الأبواب ، ومتى لم يتأملها اختلطت عليه الأبواب والشرائط .
ومن ثم خطئ في قوله تعالى : الزمخشري ملك الناس إله الناس [ الناس : 2 - 3 ] : إنهما عطف بيان ; والصواب : أنهما نعتان ، لاشتراط الاشتقاق في النعت والجمود في عطف البيان .
وفي قوله في : إن ذلك لحق تخاصم أهل النار [ ص : 64 ] بنصب تخاصم : إنه صفة للإشارة ; لأن اسم الإشارة إنما ينعت بذي اللام الجنسية ، والصواب كونه بدلا .
وفي قوله في : فاستبقوا الصراط : [ يس : 66 ] ، وفي : سنعيدها سيرتها [ طه : 21 ] : إن المنصوب فيهما ظرف ; لأن ظرف المكان شرطه الإبهام ، والصواب : أنه على إسقاط الجار توسعا ، وهو فيهما ( إلى ) .
وفي قوله : ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله [ المائدة : 117 ] : إن ( أن ) مصدرية ، وهي وصلتها عطف بيان على الهاء ، لامتناع عطف البيان على الضمير كنعته .
وهذا الأمر السادس عده ابن هشام في المغني ، ويحتمل دخوله في الأمر الثاني .
السابع : أن يراعي في كل تركيب ما يشاكله ، فربما خرج كلاما على شيء ، ويشهد استعمال آخر في نظير ذلك الموضع بخلافه .
ومن ثم خطئ في قوله في : الزمخشري ومخرج الميت من الحي [ الأنعام : 95 ] إنه عطف على فالق الحب والنوى [ الأنعام : 95 ] ، ولم يجعله معطوفا على يخرج الحي من الميت [ الأنعام : 95 ] ; لأن عطف الاسم على الاسم أولى ، ولكن مجيء قوله يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي [ الروم : 19 ] . بالفعل فيهما ، يدل على خلاف ذلك .
ومن ثم خطئ من قال في : ذلك الكتاب لا ريب فيه [ البقرة : 2 ] إن الوقف على ( ريب ) و ( فيه ) خبر ( هدى ) ، ويدل على خلاف ذلك قوله في سورة السجدة : تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين [ السجدة : 2 ] .
[ ص: 548 ] ومن قال في : ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور [ الشورى : 43 ] : إن الرابط الإشارة ، وإن الصابر والغافر جعلا من عزم الأمور مبالغة ; والصواب أن الإشارة للصبر والغفران ، بدليل : وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور [ آل عمران : 186 ] ، ولم يقل : ( إنكم ) .
ومن قال في نحو : وما ربك بغافل [ الأنعام : 132 ] : إن المجرور في موضع رفع ، والصواب في موضع نصب ; لأن الخبر لم يجئ في التنزيل مجردا من الباء إلا وهو منصوب .
ومن قال في : ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله [ الزخرف : 87 ] : إن الاسم الكريم مبتدأ ; والصواب أنه فاعل بدليل : ليقولن خلقهن العزيز العليم [ الزخرف : 9 ] .
تنبيه : وكذا إذا جاءت قراءة أخرى في ذلك الموضع بعينه تساعد أحد الإعرابين ، فينبغي أن يترجح ، كقوله : ولكن البر من آمن [ البقرة : 177 ] ، قيل : التقدير : ولكن ذا البر .
وقيل : ولكن البر من آمن ، ويؤيد الأول : أنه قرئ ( ولكن البار ) .
تنبيه : وقد يوجد ما يرجح كلا من المحتملات ، فينظر في أولاها ، نحو : فاجعل بيننا وبينك موعدا [ طه : 58 ] ف ( موعدا ) محتمل للمصدر ، ويشهد له : لا نخلفه نحن ولا أنت [ طه : 58 ] وللزمان ، ويشهد له : قال : موعدكم يوم الزينة [ طه : 59 ] وللمكان ، ويشهد له : مكانا سوى [ طه : 58 ] . وإذا أعرب ( مكانا ) بدلا منه لا ظرفا ل ( نخلفه ) تعين ذلك .
الثامن : أن يراعى الرسم . ومن ثم خطئ من قال في : سلسبيلا [ الإنسان : 18 ] : إنها جملة أمرية ، أي : سل طريقا موصلة إليها ; لأنها لو كانت كذلك لكتبت مفصولة .
ومن قال في : إن هذان لساحران [ طه : 63 ] : ( إنها ) إن واسمها ، أي : إن القصة ، وذان مبتدأ خبره لساحران ، والجملة خبر إن - وهو باطل برسم إن منفصلة ، و ( هذا نصبا ) متصلة .
ومن قال في : ولا الذين يموتون وهم كفار [ النساء : 18 ] : إن اللام للابتداء ، والذين مبتدأ والجملة بعده خبره . وهو باطل ; فإن الرسم ( ولا ) .
ومن قال في : أيهم أشد [ مريم : 69 ] : إن ( هم أشد ) مبتدأ وخبر ، وأي مقطوعة عن الإضافة . وهو باطل برسم ( أيهم ) متصلة .
ومن قال في : وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون [ المطففين : 3 ] : إن ( هم ) ضمير رفع مؤكد للواو ، وهو باطل برسم الواو فيهما بلا ألف بعدها ، والصواب : أنه مفعول .
التاسع : أن يتأمل عند ورود المشتبهات ، ومن ثم خطئ من قال في : أحصى لما لبثوا أمدا [ ص: 549 ] [ الكهف : 12 ] إنه أفعل تفضيل ، والمنصوب تمييز ، وهو باطل ، فإن الأمد ليس محصيا ، بل محصى ، وشرط التمييز المنصوب بعد ( أفعل ) كونه فاعلا في المعنى ، فالصواب أنه فعل ، ( وأمدا ) مفعول ، مثل وأحصى كل شيء عددا [ الجن : 28 ] .
العاشر : ألا يخرج على خلاف الأصل ، أو خلاف الظاهر لغير مقتض ، ومن ثم خطئ في قوله في : مكي لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي [ البقرة : 264 ] إن الكاف نعت لمصدر ، أي : إبطالا كإبطال الذي . والوجه كونه حالا من الواو ، أي : لا تبطلوا صدقاتكم مشبهين الذي ، فهذا لا حذف فيه .
الحادي عشر : أن يبحث عن الأصلي والزائد ، نحو : إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح [ البقرة : 237 ] ، فإنه قد يتوهم أن الواو في يعفون ضمير الجمع ، فيشكل إثبات النون ، وليس كذلك ; بل هي فيه لام الكلمة ، فهي أصلية والنون ضمير النسوة ، والفعل معها مبني ، ووزنه : ( يفعلن ) بخلاف : وأن تعفوا أقرب [ البقرة : 237 ] فالواو فيه ضمير الجمع ، وليست من أصل الكلمة .
الثاني عشر : أن يجتنب إطلاق لفظ الزائد في كتاب الله تعالى ، فإن الزائد قد يفهم منه أنه لا معنى له ، وكتاب الله منزه عن ذلك ، ولذا فر بعضهم إلى التعبير بدله بالتأكيد ، والصلة ، والمقحم .
وقال ابن الخشاب : اختلف : في جواز إطلاق لفظ الزائد في القرآن
فالأكثرون على جوازه ، نظرا إلى أنه نزل بلسان القوم ومتعارفهم ، ولأن الزيادة بإزاء الحذف ، هذا للاختصار والتخفيف ، وهذا للتوكيد والتوطئة ، ومنهم من أبى ذلك وقال : هذه الألفاظ المحمولة على الزيادة جاءت لفوائد ومعان تخصها ، فلا أقضي عليها بالزيادة .
قال : والتحقيق أنه إن أريد بالزيادة إثبات معنى لا حاجة إليه فباطل ، لأنه عبث ، فتعين أن إلينا به حاجة ، لكن الحاجة إلى الأشياء قد تختلف بحسب المقاصد ، فليست الحاجة إلى اللفظ الذي عده هؤلاء زيادة كالحاجة إلى اللفظ المزيد عليه . انتهى .
وأقول : بل الحاجة إليه كالحاجة إليه سواء ، بالنظر إلى مقتضى الفصاحة والبلاغة ، وأنه لو ترك كان الكلام دونه - مع إفادته أصل المعنى المقصود - أبتر خاليا عن الرونق البليغي ، لا شبهة في ذلك . ومثل هذا يستشهد عليه بالإسناد البياني الذي خالط كلام الفصحاء ، وعرف مواقع استعمالها وذاق حلاوة ألفاظهم ، وأما النحوي الجافي فعن ذلك بمنقطع الثرى .
تنبيهات :
الأول :
، بأن يوجد في الكلام أن المعنى [ ص: 550 ] يدعو إلى أمر والإعراب يمنع منه ، والمتمسك به صحة المعنى ، ويئول لصحة المعنى الإعراب . وذلك كقوله تعالى : قد يتجاذب المعنى والإعراب الشيء الواحد إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر [ الطارق : 8 - 9 ] ، فالظرف الذي هو يوم يقتضي المعنى أنه يتعلق بالمصدر وهو ( رجع ) أي : أنه على رجعه في ذلك اليوم لقادر . لكن الإعراب يمنع منه ، لعدم جواز الفصل بين المصدر ومعموله فيجعل العامل فيه فعلا مقدرا دل عليه المصدر .
وكذا : أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون [ غافر : 10 ] ، فالمعنى يقتضي تعلق ( إن ) بالمقت . والإعراب يمنعه ، للفصل المذكور ، فيقدر له فعل يدل عليه .
الثاني : قد يقع في كلامهم : هذا تفسير معنى ، وهذا تفسير إعراب ، والفرق بينهما : أن تفسير الإعراب لا بد فيه من ملاحظة الصناعة النحوية ، وتفسير المعنى لا تضره مخالفة ذلك .
الثالث : قال أبو عبيد في " فضائل القرآن " : حدثنا أبو معاوية ، عن ، عن أبيه ، قال : سألت هشام بن عروة عائشة عن لحن القرآن عن قوله تعالى : إن هذان لساحران [ طه : 63 ] وعن قوله تعالى : والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة [ النساء : 162 ] . وعن قوله تعالى : إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون [ المائدة : 69 ] . فقالت : يا ابن أخي ، هذا عمل الكتاب ، أخطئوا في الكتاب . هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين .
وقال حدثنا حجاج ، عن هارون بن موسى ، أخبرني الزبير بن الخريت ، عن عكرمة ، قال : لما كتبت المصاحف عرضت على عثمان فوجد فيها حروفا من اللحن ، فقال : لا تغيروها ; فإن العرب ستغيرها - أو قال : ستعربها - بألسنتها ، لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد فيه هذه الحروف . أخرجه في كتاب " الرد على من خالف مصحف ابن الأنباري عثمان " وابن أشتة في كتاب " المصاحف " .
ثم أخرج نحوه ، من طريق ابن الأنباري عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر ، وابن أشتة نحوه ، من طريق . يحيى بن يعمر
وأخرج من طريق أبي بشر ، عن : أنه كان يقرأ : سعيد بن جبير والمقيمين الصلاة ويقول : هو لحن من الكاتب .
[ ص: 551 ] وهذه الآثار مشكلة جدا ، وكيف يظن بالصحابة .
أولا : أنهم يلحنون في الكلام فضلا عن القرآن وهم الفصحاء اللد ، ثم كيف يظن بهم . .
ثانيا : في القرآن الذي تلقوه من النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أنزل وحفظوه وضبطوه وأتقنوه ؟ ثم كيف يظن بهم .
ثالثا : اجتماعهم كلهم على الخطإ وكتابته ؟ ثم كيف يظن بهم .
رابعا : عدم تنبههم ورجوعهم عنه ؟ ثم كيف يظن بعثمان أنه ينهى عن تغييره ؟ ثم كيف يظن أن القراءة استمرت على مقتضى ذلك الخطإ ؟ وهو مروي بالتواتر خلفا عن سلف ؟ هذا مما يستحيل عقلا وشرعا وعادة .
وقد أجاب العلماء عن ذلك بثلاثة أجوبة :
أحدها : أن ذلك لا يصح عن عثمان ; فإن إسناده ضعيف مضطرب منقطع . ولأن عثمان جعل للناس إماما يقتدون به ، فكيف يرى فيه لحنا ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها ؟ فإذا كان الذين تولوا جمعه وكتابته لم يقيموا ذلك وهم الخيار ، فكيف يقيمه غيرهم ! وأيضا فإنه لم يكتب مصحفا واحدا ، بل كتب عدة مصاحف .
فإن قيل : إن اللحن وقع في جميعها ، فبعيد اتفاقها على ذلك ، أو في بعضها فهو اعتراف بصحة البعض ، ولم يذكر أحد من الناس أن اللحن كان في مصحف دون مصحف ، ولم تأت المصاحف قط مختلفة إلا فيما هو من وجوه القراءة ، وليس ذلك بلحن .
الثاني : على تقدير صحة الرواية ، إن ذلك محمول على الرمز والإشارة ومواضع الحذف ، نحو : ( الكتاب ) ، ( والصابرين ) وما أشبه ذلك .
الثالث : أنه مئول على أشياء خالف لفظها رسمها ، كما كتبوا ( ولا أوضعوا ) و ( لا أذبحنه ) [ النمل : 21 ] بألف بعد لا . و ( جزاء الظالمين ) [ المائدة : 29 ] بواو وألف . و ( بأيد ) [ الذاريات : 47 ] بياءين ، فلو قرئ بظاهر الخط لكان لحنا ، وبهذا الجواب وما قبله جزم ابن أشتة في كتاب " المصاحف " .
وقال في كتاب " الرد على من خالف مصحف ابن الأنباري عثمان " في الأحاديث المروية عن عثمان في ذلك : لا تقوم بها حجة لأنها منقطعة غير متصلة ، وما يشهد عقل بأن عثمان وهو إمام الأمة الذي هو إمام الناس في وقته ، وقدوتهم يجمعهم على المصحف الذي هو الإمام فيتبين فيه خللا ، ويشاهد في خطه زللا فلا يصلحه ، كلا والله ما يتوهم عليه هذا ذو إنصاف وتمييز ، ولا يعتقد أنه أخر الخطأ في الكتاب ليصلحه من بعده . وسبيل الجائين من [ ص: 552 ] بعده البناء على رسمه والوقوف عند حكمه .
ومن زعم أن عثمان أراد بقوله : ( أرى فيه لحنا ) أرى في خطه لحنا ، إذا أقمناه بألسنتنا كان لحن الخط غير مفسد ولا محرف من جهة تحريف الألفاظ وإفساد الإعراب ، فقد أبطل ولم يصب ; لأن الخط منبئ عن النطق ، فمن لحن في كتبه فهو لاحن في نطقه ، ولم يكن عثمان ليؤخر فسادا في هجاء ألفاظ القرآن من جهة كتب ولا نطق . ومعلوم أنه كان مواصلا لدرس القرآن ، متقنا لألفاظه ، موافقا على ما رسم في المصاحف المنفذة إلى الأمصار والنواحي .
ثم أيد ذلك بما أخرجه أبو عبيد ، قال حدثنا ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا عبد الله بن مبارك أبو وائل - شيخ من أهل اليمن - عن هانئ البربري - مولى عثمان - قال : كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف فأرسلني بكتف شاة إلى ، فيها : ( لم يتسن ) [ البقرة : 259 ] وفيها ( لا تبديل للخلق ) [ الروم : 30 ] ، وفيها ( أبي بن كعب فمهل الكافرين ) [ الطارق : 17 ] قال : فدعا بالدواة - فمحا أحد اللامين ، فكتب لخلق الله ومحى ( فأمهل ) ، وكتب ( فمهل ) وكتب ( لم يتسنه ) ألحق فيها الهاء .
قال : فكيف يدعى عليه أنه رأى فسادا فأمضاه ، وهو يوقف على ما كتب ويرفع الخلاف إليه الواقع من الناسخين ، ليحكم بالحق ويلزمهم إثبات الصواب وتخليده . انتهى . ابن الأنباري
قلت : ويؤيد هذا أيضا ما أخرجه ابن أشتة في " المصاحف " قال : حدثنا الحسن بن عثمان أنبأنا الربيع بن بدر ، عن سوار بن شبيب قال : سألت ابن الزبير عن المصاحف ، فقال : قام رجل إلى عمر ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن الناس قد اختلفوا في القرآن ، فكان عمر قد هم أن يجمع القرآن على قراءة واحدة ، فطعن طعنته التي مات بها ، فلما كان في خلافة عثمان قام ذلك الرجل ، فذكر له فجمع عثمان المصاحف ثم بعثني إلى عائشة فجئت بالصحف ، فعرضناها عليها حتى قومناها ، ثم أمر بسائرها فشققت . فهذا يدل على أنهم ضبطوها وأتقنوها ، ولم يتركوا فيها ما يحتاج إلى إصلاح ولا تقويم .
ثم قال ابن أشتة : أنبأنا محمد بن يعقوب ، أنبأنا ، أنبأنا أبو داود سليمان بن الأشعث أحمد بن مسعدة ، أنبأنا إسماعيل أخبرني الحارث بن عبد الرحمن عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر ، قال : لما فرغ من المصحف أتي به عثمان ، فنظر فيه ، فقال : أحسنتم وأجملتم ، أرى شيئا سنقيمه بألسنتنا .
[ ص: 553 ] فهذا الأثر لا إشكال فيه ، وبه يتضح معنى ما تقدم ، فكأنه عرض عليه عقب الفراغ من كتابته ، فرأى فيه شيئا كتب على غير لسان قريش ، كما وقع لهم في ( التابوة ) و ( التابوت ) فوعد بأنه سيقيمه على لسان قريش ، ثم وفى بذلك عند العرض والتقويم ، ولم يترك فيه شيئا . ولعل من روى تلك الآثار السابقة عنه حرفها ، ولم يتقن اللفظ الذي صدر عن عثمان ، فلزم منه ما لزم من الإشكال ; فهذا أقوى ما يجاب عن ذلك ، ولله الحمد .
وبعد ; فهذه الأجوبة لا يصلح منها شيء عن حديث عائشة . :
أما الجواب بالتضعيف فلأن إسناده صحيح كما ترى .
وأما الجواب بالرمز وما بعده ، فلأن سؤال عروة عن الأحرف المذكورة لا يطابقه ، فقد أجاب عنه ابن أشتة ، وتبعه ابن جبارة في شرح الرائية ، بأن معنى قولها ( أخطئوا ) أي : في اختيار الأولى من الأحرف السبعة لجمع الناس عليه . لا أن الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز .
قال : والدليل على ذلك مالا يجوز مردود بإجماع من كل شيء ، وإن طالت مدة وقوعه .
قال : وأما قول : لحن من الكاتب ، فيعني : باللحن القراءة واللغة ، يعني أنها لغة الذي كتبها وقراءته ، وفيها قراءة أخرى . سعيد بن جبير
ثم أخرج عن ، أنه قال : إبراهيم النخعي إن هذان لساحران [ طه : 63 ] ، ( إن هذين لساحران ) سواء ، لعلهم كتبوا الألف مكان الياء ، والواو في قوله ( والصابئون ) مكان الياء ، قال ابن أشتة : يعني أنه من إبدال حرف في الكتاب بحرف ، مثل " الصلوة " و " الزكوة و " الحيوة " .
وأقول : هذا الجواب إنما يحسن لو كانت القراءة بالياء فيها والكتابة بخلافها ، وأما القراءة على مقتضى الرسم فلا ، وقد تكلم أهل العربية على هذه الأحرف ووجهوها على أحسن توجيه .
أما قوله : ( إن هذان لساحران ) ففيه أوجه :
أحدها : أنه جار على لغة من يجري المثنى بالألف في أحواله الثلاثة ، وهي لغة مشهورة لكنانة ، وقيل : لبني الحارث .
الثاني : أن اسم ( إن ) ضمير الشأن محذوفا ، والجملة مبتدأ وخبر ، خبر إن .
الثالث : كذلك ، إلا أن ( ساحران ) خبر مبتدإ محذوف ، والتقدير : لهما ساحران .
[ ص: 554 ] الرابع : أن ( إن ) هنا بمعنى : نعم .
الخامس : أن ( ها ) ضمير القصة اسم إن ، و ( ذان لساحران ) مبتدأ وخبر ، وتقدم رد هذا الوجه بانفصال ( إن ) واتصالها في الرسم .
قلت : وظهر لي وجه آخر ، وهو أن الإتيان بالألف لمناسبة ( ساحران ) يريدان كما نون ( سلاسلا ) لمناسبة ( وأغلالا ) [ الإنسان : 4 ] و من سبإ لمناسبة بنبإ [ النمل : 22 ] .
وأما قوله والمقيمين الصلاة [ النساء : 162 ] ففيه أيضا أوجه :
أحدها : أنه مقطوع إلى المدح بتقدير : ( أمدح ) ، لأنه أبلغ .
الثاني : أنه معطوف على المجرور في ( يؤمنون بما أنزل إليك ) أي : ويؤمنون بالمقيمين الصلاة ، وهم الأنبياء . وقيل : الملائكة ، وقيل : التقدير : يؤمنون بدين المقيمين ، فيكون المراد بهم المسلمين ، وقيل : بإجابة المقيمين .
الثالث : أنه معطوف على ( قبل ) أي : ومن قبل المقيمين ، فحذفت ( قبل ) وأقيم المضاف إليه مقامه .
الرابع : أنه معطوف على الكاف في ( قبلكم ) .
الخامس : أنه معطوف على الكاف في ( إليك ) .
السادس : أنه معطوف على الضمير في منهما .
حكى هذه الأوجه أبو البقاء .
وأما قوله : ( والصابئون ) [ المائدة : 69 ] . ففيه أيضا أوجه :
أحدها : أنه مبتدأ حذف خبره ، أي : والصابئون كذلك .
الثاني : أنه معطوف على محل ( إن ) مع اسمها ، فإن محلهما رفع بالابتداء .
الثالث : أنه معطوف على الفاعل في هادوا .
الرابع : أن ( إن ) بمعنى نعم ف ( الذين آمنوا ) وما بعده ، في موضع رفع ، والصابئون عطف عليه .
[ ص: 555 ] الخامس : أنه على إجراء صيغة الجمع مجرى المفرد ، والنون حرف الإعراب . حكى هذه الأوجه أبو البقاء .
تذنيب : يقرب مما تقدم عن عائشة ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده ، وابن أشتة في المصاحف ، من طريق ، عن إسماعيل المكي أبي خلف مولى بني جمح : أنه دخل مع على عبيد بن عمير عائشة ، فقال : جئت أسألك عن آية في كتاب الله تعالى ، كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرؤها ؟
قالت : أية آية ؟
قال : والذين يؤتون ما آتوا [ المؤمنون : 60 ] أو ( والذين يأتون ما أتوا ) .
فقالت : أيتهما أحب إليك ؟
قلت : والذي نفسي بيده لأحدهما أحب إلي من الدنيا جميعا .
قالت : أيهما ؟
قلت : ( والذين يأتون ما أتوا )
فقالت : أشهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذلك كان يقرؤها ، وكذلك أنزلت ، ولكن الهجاء حرف .
وما أخرجه ، ابن جرير في سننه : من طريق وسعيد بن منصور ، عن سعيد بن جبير في قوله ابن عباس حتى تستأنسوا وتسلموا [ النور : 27 ] قال : إنما هي خطأ من الكاتب ( حتى تستأذنوا وتسلموا ) أخرجه بلفظ ( هو ) - فيما أحسب - مما أخطأت به الكتاب . ابن أبي حاتم
وما أخرجه ، من طريق ابن الأنباري عكرمة ، عن : أنه قرأ ( أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ) ، فقيل : له : إنها في المصحف ابن عباس أفلم ييأس [ الرعد : 31 ] فقال أظن الكاتب كتبها وهو ناعس .
وما أخرجه ، من طريق سعيد بن منصور ، عن سعيد بن جبير : أنه كان يقول [ ص: 556 ] في قوله تعالى : ابن عباس وقضى ربك [ الإسراء : 23 ] : إنما هي ( ووصى ربك ) التزقت الواو بالصاد .
وأخرجه ابن أشتة ، بلفظ : ( استمد مدادا كثيرا فالتزقت الواو بالصاد ) وأخرجه من طريق أخرى عن الضحاك أنه قال : كيف تقرأ هذا الحرف ؟ قال : وقضى ربك [ الإسراء : 23 ] قال : ليس كذلك نقرؤها نحن ، ولا إنما هي ( ووصى ربك ) وكذلك كانت تقرأ وتكتب ، فاستمد كاتبكم ، فاحتمل القلم مدادا كثيرا ، فالتصقت الواو بالصاد ; ثم قرأ ابن عباس ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله [ النساء : 131 ] ، ولو كانت ( قضى ) من الرب ، لم يستطع أحد رد قضاء الرب ، ولكنه وصية أوصى بها العباد .
وما أخرجه وغيره ، من طريق سعيد بن منصور ، عن عمرو بن دينار عكرمة عن : أنه كان يقرأ : ( ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ضياء ) ويقول : خذوا هذه الواو واجعلوها هنا : ( والذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم ) الآية . ابن عباس
وأخرجه ، من طريق ابن أبي حاتم الزبير بن خريت ، عن عكرمة ، عن قال : انزعوا هذه الواو فاجعلوها في ابن عباس الذين يحملون العرش ومن حوله [ غافر : 7 ] .
وما أخرجه ابن أشتة ، من طريق وابن أبي حاتم عطاء ، عن في قوله تعالى : ابن عباس مثل نوره كمشكاة [ النور : 35 ] قال : هي خطأ من الكاتب ، هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة ; إنما هي : ( مثل نور المؤمن كمشكاة ) .
وقد أجاب ابن أشتة عن هذه الآثار كلها بأن المراد أخطئوا في الاختيار ، وما هو الأولى لجمع الناس عليه من الأحرف السبعة ، لا أن الذي كتب خطأ خارج عن القرآن .
قال : فمعنى قول عائشة : حرف الهجاء ، ألقي إلى الكاتب هجاء غير ما كان الأولى أن يلقى إليه من الأحرف السبعة .
قال : وكذا معنى قول : ( كتبها وهو ناعس ) يعني فلم يتدبر الوجه الذي هو أولى من الآخر ، وكذا سائرها . ابن عباس
وأما فإنه جنح إلى تضعيف الروايات ، ومعارضتها بروايات أخر عن ابن الأنباري وغيره ، بثبوت هذه الأحرف في القراءة ، والجواب الأول أولى وأقعد . ابن عباس
ثم قال ابن أشتة : حدثنا ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أبو داود ، حدثنا ابن الأسود ، حدثنا ، عن يحيى بن آدم ، عن أبيه عن عبد الرحمن بن أبي الزناد [ ص: 557 ] قال : قالوا خارجة بن زيد لزيد : يا أبا سعيد ، أوهمت ! إنما هي : ( ثمانية أزواج من الضأن اثنين اثنين ومن المعز اثنين اثنين ومن الإبل اثنين اثنين ومن البقر اثنين اثنين ) فقال : ; لأن الله تعالى يقول : فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى [ القيامة : 39 ] فهما زوجان . كل واحد منهما زوج : الذكر زوج ، والأنثى زوج .
قال ابن أشتة : فهذا الخبر يدل على أن القوم يتخيرون أجمع الحروف للمعاني وأسلسها على الألسنة ، وأقربها في المأخذ ، وأشهرها عند العرب للكتابة في المصاحف ، وأن الأخرى كانت قراءة معروفة عند كلهم ، وكذا ما أشبه ذلك . انتهى .
فائدة : فيما قرئ بثلاثة أوجه : الإعراب ، أو البناء ، أو نحو ذلك .
قد رأيت تأليفا لطيفا لأحمد بن يوسف بن مالك الرعيني ، سماه " تحفة الأقران فيما قرئ بالتثليث من حروف القرآن " .
الحمد لله [ الفاتحة : 2 ] قرئ بالرفع على الابتداء ، والنصب على المصدر ، والكسر على إتباع الدال اللام في حركتها .
رب العالمين [ الفاتحة : 2 ] قرئ بالجر على أنه نعت ، وبالرفع على القطع بإضمار مبتدإ ، وبالنصب عليه بإضمار فعل ، أو على النداء .
الرحمن الرحيم [ الفاتحة : 3 ] قرئ بالثلاثة .
اثنتا عشرة عينا [ البقرة : 60 ] قرئ بسكون الشين وهي لغة تميم ، وكسرها وهي لغة الحجاز ، وفتحها وهي لغة بلي .
بين المرء [ الأنفال : 24 ] قرئ بتثليث الميم ، لغات فيه .
فبهت الذي كفر [ البقرة : 258 ] قراءة الجماعة بالبناء للمفعول ، وقرئ بالبناء للفاعل ، بوزن ضرب وعلم وحسن .
ذرية بعضها من بعض [ آل عمران : 34 ] قرئ بتثليث الذال .
واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام [ النساء : 1 ] قرئ بالنصب عطفا على لفظ الجلالة ، وبالجر عطفا على ضمير به ، وبالرفع على الابتداء والخبر محذوف ، أي : والأرحام مما يجب أن تتقوه وأن تحتاطوا لأنفسكم فيه .
[ ص: 558 ] لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر [ النساء : 95 ] قرئ بالرفع صفة ل ( القاعدون ) وبالجر صفة ل ( المؤمنين ) وبالنصب على الاستثناء .
وامسحوا برءوسكم وأرجلكم [ المائدة : 6 ] ، قرئ بالنصب عطفا على الأيدي ، وبالجر على الجوار أو غيره ، وبالرفع على الابتداء ، والخبر محذوف دل عليه ما قبله .
فجزاء مثل ما قتل من النعم [ المائدة : 95 ] قرئ بجر ( مثل ) بإضافة ( جزاء ) إليه ، وبرفعه وتنوين ( مثل ) صفة له ، وبنصبه مفعول ب ( جزاء ) .
والله ربنا [ الأنعام : 23 ] قرئ بجر ربنا نعتا أو بدلا ، وبنصبه على النداء أو بإضمار أمدح ، وبرفعه ورفع لفظ الجلالة مبتدأ وخبر .
ويذرك وآلهتك [ الأعراف : 127 ] . قرئ برفع ( يذرك ) ونصبه وجزمه للخفة .
فأجمعوا أمركم وشركاءكم [ يونس : 71 ] . قرئ بنصب ( شركاءكم ) مفعولا معه ، أو معطوفا ، أو بتقدير ( وادعوا ) وبرفعه عطفا على ضمير ( فأجمعوا ) أو مبتدأ خبره محذوف ، وبجره عطفا على ( كم ) في ( أمركم ) .
وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها [ يوسف : 105 ] قرئ بجر ( والأرض ) عطفا على ما قبله ، وبنصبها من باب الاشتغال . وبرفعها على الابتداء ، والخبر ما بعدها ( موعدك بملكنا ) [ طه : 87 ] قرئ بتثليث الميم .
وحرام على قرية [ الأنبياء : 95 ] قرئ بلفظ الماضي بفتح الراء وكسرها وضمها ، وبلفظ الوصف بكسر الراء وسكونها مع فتح الحاء ، وبسكونها مع كسر الحاء ( وحرام ) بالفتح وألف ، فهذه سبع قراءات .
كوكب دري [ النور : 35 ] قرئ بتثليث الدال .
يس [ يس : 1 ] القراءة المشهورة بسكون النون ، وقرئ شاذا بالفتح للخفة ، والكسر لالتقاء الساكنين ، وبالضم على النداء .
[ ص: 559 ] سواء للسائلين [ فصلت : 10 ] ، قرئ بالنصب على الحال ، وشاذا بالرفع ، أي : هو ، وبالجر حملا على ( الأيام ) .
ولات حين مناص [ ص : 3 ] قرئ بنصب ( حين ) ورفعه وجره .
وقيله يارب [ الزخرف : 88 ] . قرئ بالنصب على المصدر ، وبالجر ، وتقدم توجيهه ، وشاذا بالرفع عطفا على علم الساعة [ الزخرف : 85 ] .
ق [ ق : 1 ] القراءة المشهورة بالسكون ، وقرئ شاذا بالفتح والكسر لما مر أي : للخفة ولالتقاء الساكنين .
الحبك [ الذاريات : 7 ] فيه سبع قراءات : ضم الحاء والباء ، وكسرهما وفتحهما ، وضم الحاء وسكون الباء ، وضمها وفتح الباء ، وكسرها وسكون الباء ، وكسرها وضم الباء .
والحب ذو العصف والريحان [ الرحمن : 12 ] قرئ برفع الثلاثة ونصبها وجرها .
وحور عين كأمثال اللؤلؤ [ الواقعة : 22 - 23 ] قرئ برفعهما وجرهما ، ونصبهما بفعل مضمر ، أي : ويزوجون .
فائدة : قال بعضهم : . ليس في القرآن على كثرة منصوباته مفعول معه
قلت : : في القرآن عدة مواضع أعرب كل منها مفعولا معه
أحدها : - وهو أشهرها - قوله تعالى : فأجمعوا أمركم وشركاءكم [ يونس : 71 ] أي : أجمعوا أنتم مع شركائكم أمركم ؛ ذكره جماعة منهم .
الثاني : قوله تعالى : قوا أنفسكم وأهليكم نارا [ التحريم : 6 ] قال : الكرماني في غرائب التفسير : هو مفعول معه ، أي : مع أهليكم .
الثالث : قوله تعالى : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين [ البينة : 1 ] قال الكرماني : يحتمل أن يكون قوله : ( والمشركين ) مفعولا معه من ( الذين ) أو من الواو في كفروا .