[ ص: 560 ] النوع الثاني والأربعون
في قواعد مهمة يحتاج المفسر إلى معرفتها
: قاعدة في الضمائر
ألف في بيان الضمائر الواقعة في القرآن مجلدين ، وأصل وضع الضمير للاختصار ، ولهذا قام قوله : ابن الأنباري أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما [ الأحزاب : 35 ] مقام خمسة وعشرين كلمة لو أتى بها مظهرة .
وكذا قوله تعالى : وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن [ النور : 31 ] قال : : ليس في كتاب الله آية اشتملت على ضمائر أكثر منها ، فإن فيها خمسة وعشرين ضميرا . مكي
ومن ثم لا يعدل إلى المنفصل إلا بعد تعذر المتصل ، بأن يقع في الابتداء ، نحو : إياك نعبد [ الفاتحة : 5 ] ، أو بعد ( ألا ) نحو : وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه [ الإسراء : 23 ] .
: مرجع الضمير
لا بد له من مرجع يعود إليه :
ويكون ملفوظا به سابقا مطابقا به : نحو : ونادى نوح ابنه [ هود : 42 ] . وعصى آدم ربه [ طه : 121 ] . إذا أخرج يده لم يكد يراها [ النور : 40 ] .
أو متضمنا له : نحو : اعدلوا هو أقرب [ المائدة : 8 ] فإنه عائد على العدل المتضمن له ( اعدلوا ) . وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه [ النساء : 8 ] أي : المقسوم ، لدلالة القسمة عليه .
أو دالا عليه بالالتزام نحو : إنا أنزلناه [ القدر : 1 ] أي : القرآن ; لأن الإنزال يدل عليه التزاما فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه [ البقرة : 178 ] ف ( عفي ) يستلزم عافيا أعيد عليه الهاء من ( إليه ) .
[ ص: 561 ] أو متأخرا لفظا لا رتبة مطابقا نحو : فأوجس في نفسه خيفة موسى [ طه : 67 ] ، ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون [ القصص : 78 ] فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان [ الرحمن : 39 ] .
أو رتبة أيضا في باب ضمير الشأن والقصة ونعم وبئس والتنازع .
أو متأخرا دالا بالالتزام نحو : فلولا إذا بلغت الحلقوم [ الواقعة : 83 ] . كلا إذا بلغت التراقي [ القيامة : 26 ] . أضمر الروح أو النفس لدلالة الحلقوم والتراقي عليها . حتى توارت بالحجاب [ ص : 32 ] أي : الشمس ، لدلالة الحجاب عليها .
وقد يدل عليه السياق فيضمر : ثقة بفهم السامع ، نحو : كل من عليها فان [ الرحمن : 26 ] . ما ترك على ظهرها [ فاطر : 45 ] أي : الأرض أو الدنيا . ( ولأبويه ) [ النساء : 11 ] أي : الميت ، ولم يتقدم له ذكر .
وقد يعود على لفظ المذكور دون معناه : نحو : وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره [ فاطر : 11 ] أي : عمر معمر آخر .
وقد يعود على بعض ما تقدم نحو : يوصيكم الله في أولادكم [ النساء : 11 ] إلى قوله : فإن كن نساء [ النساء : 11 ] . وبعولتهن أحق بردهن [ البقرة : 228 ] . بعد قوله والمطلقات [ البقرة : 228 ] فإنه خاص بالرجعيات ، والعائد عليه عام فيهن وفي غيرهن .
وقد يعود على المعنى : كقوله في آية الكلالة : فإن كانتا اثنتين [ النساء : 176 ] ، ولم يتقدم لفظ مثنى يعود عليه .
قال الأخفش : لأن الكلالة تقع على الواحد والاثنين والجمع ، فثنى الضمير الراجع إليها حملا على المعنى ، كما يعود الضمير جمعا على ( من ) حملا على معناها .
وقد يعود على لفظ شيء : والمراد به الجنس من ذلك الشيء ، قال الزمخشري : كقوله : إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما [ النساء : 135 ] أي : بجنسي الفقير والغني ، لدلالة غنيا أو فقيرا على الجنسين ، ولو رجع إلى المتكلم به لوحده .
وقد يذكر شيئان ويعاد الضمير إلى أحدهما ، : والغالب كونه الثاني ، : نحو : واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة [ البقرة : 45 ] . فأعيد الضمير للصلاة . وقيل : للاستعانة المفهومة من استعينوا . جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل [ يونس : 5 ] . أي : القمر ; لأنه الذي يعلم به الشهور . والله ورسوله أحق أن يرضوه [ التوبة : 62 ] أراد ( يرضوهما ) [ ص: 562 ] فأفرد ; لأن الرسول هو داعي العباد والمخاطب لهم شفاها ، ويلزم من رضاه رضا ربه تعالى .
وقد يثنى الضمير ويعود على أحد المذكورين : نحو : يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان [ الرحمن : 22 ] وإنما يخرج من أحدهما .
وقد يجيء الضمير متصلا بشيء وهو لغيره : نحو : ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين [ المؤمنون : 12 - 13 ] يعني آدم ، ثم قال : ثم جعلناه نطفة [ المؤمنون : 12 - 13 ] فهذه لولده ; لأن آدم لم يخلق من نطفة .
قلت : هذا هو باب الاستخدام ، ومنه : لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ثم قال : قد سألها [ المائدة : 101 - 102 ] ، أي : أشياء أخر مفهومة من لفظ ( أشياء ) السابقة .
وقد يعود الضمير على ملابس ما هو له : نحو : إلا عشية أو ضحاها [ النازعات : 46 ] أي : ضحى يومها ، لا ضحى العشية نفسها ; لأنه لا ضحى لها .
وقد يعود على غير مشاهد محسوس ، والأصل خلافه ، نحو : وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون [ البقرة : 117 ] ، فضمير ( له ) عائد على الأمر ، وهو إذ ذاك غير موجود ; لأنه لما كان سابقا في علم الله كونه ، كان بمنزلة المشاهد الموجود .