النوع الحادي عشر : : الإيضاح بعد الإبهام
قال أهل البيان : إذا أردت أن تبهم ثم توضح فإنك تطنب .
وفائدته : إما رؤية المعنى في صورتين مختلفتين : الإبهام والإيضاح ، أو لتمكن المعنى في النفس تمكنا زائدا لوقوعه بعد الطلب ، فإنه أعز من المنساق بلا تعب ، أو لتكمل لذة العلم به ، فإن الشيء إذا علم من وجه ما ، تشوقت النفس للعلم به من باقي وجوهه وتألمت ، فإذا حصل العلم من بقية الوجوه كانت لذته أشد من علمه من جميع وجوهه دفعة واحدة .
ومن أمثلته : رب اشرح لي صدري [ طه : 25 ] ، فإن ( اشرح ) يفيد طلب شرح شيء ما ، و ( صدري ) يفيد تفسيره وبيانه . وكذلك : ويسر لي أمري [ طه : 26 ] ، والمقام يقتضي التأكيد للإرسال المؤذن بتلقي الشدائد ، وكذلك : ألم نشرح لك صدرك [ الشرح : 1 ] ، فإن المقام يقتضي التأكيد ؛ لأنه مقام امتنان وتفخيم . وكذا : وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين [ الحجر : 66 ] .
ومنه التفصيل بعد الإجمال ، نحو : إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا إلى قوله : منها أربعة حرم [ التوبة : 36 ] ، وعكسه كقوله : ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة [ البقرة : 196 ] ، أعيد ذكر العشرة لرفع توهم أن الواو في ( وسبعة ) بمعنى ( أو ) فتكون الثلاثة داخلة فيها ، كما في قوله : خلق الأرض في يومين ، ثم قال : وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام [ فصلت : 9 ، 10 ] ، فإن من جملتها اليومين المذكورين أولا ، وليست أربعة غيرهما ، وهذا أحسن الأجوبة في [ ص: 121 ] الآية ، وهو الذي أشار إليه ورجحه الزمخشري ، ابن عبد السلام ، وجزم به الزملكاني في أسرار التنزيل .
قال : ونظيره : وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر [ الأعراف : 142 ] ، فإنه رافع لاحتمال أن تكون تلك العشرة من غير مواعدة .
قال : وفائدة الوعد بثلاثين أولا ثم بعشر ليتجدد له قرب انقضاء المواعدة ، ويكون فيه متأهبا ، مجتمع الرأي ، حاضر الذهن ; لأنه لو وعد بالأربعين أولا كانت متساوية ، فلما فصلت استشعرت النفس قرب التمام ، وتجدد بذلك عزم لم يتقدم . ابن عسكر
وقال الكرماني في العجائب : في قوله : تلك عشرة كاملة ثمانية أجوبة : جوابان من التفسير ، وجواب من الفقه ، وجواب من النحو ، وجواب من اللغة ، وجواب من المعنى ، وجوابان من الحساب ، وقد سقتها في أسرار التنزيل .